بواسطة اندبندنت العربية أثار وجود وفد روسي يجوب في اقصي شمال السودان انتباه وتوجس الأهالي بمنطقة وادي حلفا وتداول اهالي الحكايات والأخبار عن تنقيب روسي جديد روسي جديد للذهب في السودان، بخاصة أن الزيارة لم تكن معلنة وفوجئت بها السلطات المحلية والمواطنين معا غير أن بعض المسؤولين هناك أشاروا إلى أن وزارة المعادن عبر هيئة الأبحاث الجيولوجية هي التي تقود الوفد الروسي الذي يضم أكثر من 30 متخصصاً بهدف إجراء عمليات مسح لتحديد مواقع التعدين بالولاية الشمالية الغنية بمعدن الذهب في ظل حساسية السودانيين المفرطة بعد شيوع مسألة تهريب الذهب السوداني بواسطة شركات روسية عقب تقرير شبكة “سي أن أن” التلفزيونية الأميركية خلال الأشهر الماضية تداول الناس بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لرتل من شاحنات روسية عسكرية كبيرة ترافقها حراسة أمنية حكومية سودانية قالوا إن عددها نحو عشرة شاحنات كانت تحمل معدات من أجل المسح الجيولوجي للتنقيب عن الذهب في وادي حلفا بالولاية الشمالية. وأشارت الأنباء إلى أن الوفد نصب مخيمه على بعد أكثر من 10 كيلومترات خارج مدينة وادي حلفا فيما قالت السلطات المحلية هناك إن وزارة المعادن تعمل على إدخال استثمارات واسعة في مجال تنقيب الذهب إلى الولاية. إزاء التداول الكثيف لنبأ وصول الوفد الروسي أصدرت الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية التابعة لوزارة المعادن بياناً صحافياً أوضحت فيه أن زيارة وفدها إلى منطقة وادي حلفا تجيء بهدف تفقد مشروع الخريطة الميتالوجينية، وهو المشروع الفني الهادف إلى عمل تخريط جيولوجي وجيوكيماوي لتحديد كل أنواع المعادن بالسودان. وأشار البيان إلى أن المسح الذي تقوم به الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية تزامن مع زيارة وفد من الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة الذي يقوده مديرها العام مبارك أردول وعدد من الجهات المتخصصة داخل وخارج الشركة بغرض تفقد المعابر ولقاء أصحاب المصلحة بالمجتمعات المحلية والوقوف على المسؤولية المجتمعية بالولاية. وذكر البيان أن مشروع التخريط الجيولوجي والجيوكيماوي لتحديد مواقع كل أنواع المعادن في السودان بدأ منذ عام 2016 بالاتفاق مع شركة “روز جيو” الحكومية الروسية، وتم توقيع عقد مدفوع القيمة بين وزارة المعادن ممثلة في الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية، و”زاروبيجغيولوغيا” فرع الشركة الأجنبية المسجل في السودان. وأوضحت هيئة الأبحاث الجيولوجية أنه بناءً على الاتفاق المبرم بين الطرفين تم تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من المشروع، وتضمنتا تجميع كل المعلومات الجيولوجية والجيوفيزيائية والجيوكيماوية السابقة المتوفرة في قاعدة بيانات، ثم عمل خريطة أساس طبوغرافية لكل السودان، وكذلك جرى وضع خريطة جيولوجية وتركيبية اعتماداً على هذه المعلومات السابقة، وسلمت مخرجات المرحلتين في شكل رقمي ومطبوع عام 2018. وفق البيان فإن مشروع التخريط توقف للظروف التي مرت بها البلاد، لكن تم استئنافه في 2021 بتوقيع عقد تنفيذ المرحلتين الثالثة والرابعة وتشملان الأعمال الحقلية لكل السودان ويتم عبرها جمع عينات صخرية سطحية وتحليلها كيماوياً لعدد 54 عنصراً، فضلاً عن دراسات مجهرية وتحاليل لتحديد العمر الجيولوجي للصخور المختلفة على أن تكون الأعمال الحقلية على أربعة مواسم لتغطي كل السودان وتشمل الجزء الشمالي الشرقي والجزء الشمالي الغربي والجنوب الغربي والجنوب الشرقي، إذ بدأ الموسم الحقلي الأول بالجزء الشمالي الشرقي من السودان. وقالت الهيئة إن 12 جيولوجياً سودانياً وأربعة متخصصين روس يشاركون في العمل الحقلي، فضلاً عن الكوادر الأخرى من المترجمين والمشاركين الآخرين من الهيئة، وتتلو الأعمال الحقلية مرحلة تحليل المعلومات الرابعة والأخيرة لمشروع الخريطة الميتالوجينية للسودان وتحديد كل أنواع المعادن بالبلاد. من ناحيته قال مدير شركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول إن المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي عن وصول وفد روسي للتنقيب عن الذهب شمال السودان غير صحيح، بل محض إشاعة، مؤكداً أن ما يحدث هو مهمة بحثية تقوم بها هيئة الأبحاث الجيولوجية بوزارة المعادن مع بعض المتعاقدين في إطار التخريط الجيولوجي بهدف وضع خريطة تحدد أنواع المعادن في السودان. وصف أردول في بيان صحافي خطة الأبحاث الجيولوجية للتعرف على المعادن بالبلاد بأنها استثمار في المستقبل عبر وضع خريطة معدنية تحدد أنواعها ومناطقها في السودان، مناشداً الأهالي التعاون مع الوفد في مهمته تلك من أجل إنجاح العملية. في السياق انتقد المتخصص في المجال الهندسي والمساحة ونائب المدير العام السابق للهيئة القومية للمساحة صديق مكي اللجوء إلى شركة روسية لإجراء مسوحات جيولوجية، معتبراً أن البلاد لا تحتاج إلى تلك الشركة بقدر حاجتها إلى تأهيل وتدريب الكوادر الهندسية الوطنية المؤهلة للقيام بمثل هذا العمل الذي لا يتطلب سوى كورسات تدريبية قد لا تتعدى فترتها الأشهر الثلاثة في مجال تحليل الأشعة. ولفت مكي إلى وجود متخصصين سودانيين مؤهلين في هذا الجانب، فضلاً عن إمكانية حصول السودان على أدوات وتقنيات التصوير الفضائي والتصوير بالأشعة بكل خصائصها من الأسواق العالمية، مشيراً إلى أنه لم يكن هناك أية دواع لاستخدام شركة أجنبية روسية بكلفتها الكبيرة وبما يمكن أن يثار من تحفظات حول قيام شركات أجنبية بوضع الخطط الاستراتيجية المرتبطة بثروات البلاد ومواردها، الأمر الذي قد يكون له تأثير على القرار السياسي. وأشار المتخصص في المساحة إلى أن وجود جهة أجنبية في هذا الخصوص لا يخلو من احتمالات المخاطر كما أن جنسية الشركة الأجنبية التي ستقوم بالتخريط لها بالقطع دلالاتها لأن مثل تلك الشركات لا تقوم بعمل فني فقط، بل عمل يتعلق بحجم ونوع المعلومات المستنبطة، فضلاً عن نظرية اعتبار بعض ثروات البلدان ضمن الاحتياطي العالمي. يفضل مكي أن “تضطلع بمثل هذا الأعمال جهات وطنية متخصصة شريطة أن تتوفر لها الإمكانات الفنية مع تأهيلها بالمعدات اللازمة، إذ إن الحد الأدنى في ما يتعلق بمعلومات الثروات القومية هو أن يكون المشرف والاستشاري وطنياً إن أردنا قطع الطريق أمام أية تجاوزات، ثم من بعد يكون المنتج لصالح وزارة المعادن التي تمثل الدولة”، مبيناً أن جميع الخرائط يفترض أن تكون ملكاً لهيئة المساحة القومية بالتنسيق مع وزارة المعادن كمستفيد. ونوه مكي إلى أن التعامل في شأن التخريط الجيولوجي ليس له أن يتم بين الوزارة والشركات الأجنبية بشكل مباشر، بل بوجود وتمثيل جهات متخصصة عدة في وزارة الخارجية والاستخبارات والأمن الوطني لأن الموضوع له علاقة بأبعاد استراتيجية قومية، وإلى أي مدى يتفهم الناس البعد الاستراتيجي هذا، لأن عمل التخريط مراقب دولياً واستخباراتياً أيضاً. وأشار إلى أن السودان سبق أن شرع في عملية تخريط للمعادن داخل البحر الأحمر في سياق ما عرف بخطة الاقتصاد الأزرق لغني البحار بالمعادن ذات الجودة العالية، غير أن تدخلات سياسية أوقفت المشروع ما يشير إلى علاقة مؤكدة للسياسة بالتخريط الجيولوجي الذي يعتبر مسألة عالية الحساسية باتت ترتبط بصراع الموارد العالمي.يضع المتخصص في المساحة استفهامات عدة حول أسباب اختيار الولاية الشمالية على وجه التحديد وليس كل السودان لأن التخريط الجيولوجي يكون أكثر جدوى كلما كان شاملاً على أساس خريطة المعلومات، وهي خريطة إلكترونية تشمل كل الطبقات الأرضية المختلفة ابتداءً من الغابات والمعادن والأراضي والثروة الحيوانية والزراعة والري على أن تشرف كل وزارة على ما يتبعها من تخصصات وعمل بدلاً عن التعرف على كل مورد على حدة. في السياق كشف مصدر جيولوجي مسؤول لـ”اندبندنت عربية” عن أن البلاد تمتلك خريطة جيولوجية نفذتها شركة “روبسون” الألمانية، وبدأ تنفيذها في 1994 عبر المعهد الألماني ببرلين على مدى سنوات، وتمت طباعتها في المعهد نفسه على ضوء فكرة الاستعانة بشركات متخصصة وفق المعايير الدولية، وجرى تحديث الخريطة بين عامي 2004 و2007. وأشار إلى أنه كان الأولى والأجدر إعادة تقييم تلك الخريطة الموجودة أصلاً، والتي حللت وفحصت بشكل دقيق آلاف العينات الصخرية في معامل موثوقة بشراكة سودانية أجنبية. وتساءل المصدر عن مبررات ودواعي تكرار استجلاب العينات نفسها ما دامت الخريطة الألمانية المحدثة وكذلك النسخة الرقمية لا تزالان موجودتين، إذ من المعلوم أن أية شركة تنفذ مثل هذا العمل تقدم تقريراً تفصيلياً مع ملاحق تتضمن العينات ونتائج تحليلها وفحصها، مشيراً إلى أن على الشركة الروسية أولاً أن تعيد قراءة ما قامت به الشركات السابقة، لعدم تكرار العمل الميداني غير المطلوب إلا في حالة الضرورة القصوى. ونوه المصدر إلى أن عملية التخريط الجيولوجي مسألة تنطوي على بعض الخصوصية والحساسية، وكان من المؤمل أن تتم بخبرات وأياد سودانية باعتبار أن فكرة التخريط تخدم مستقبل البلاد وقرارها الاقتصادي وتمكن الدولة من إدارة مواردها بفاعلية وتنسيق تام ومتكامل، وهي مهمة ليست عصية على الجيولوجيين السودانيين متى توفرت الإمكانات المتاحة للاقتناء. إلى ذلك يشير عدد من المحللين السياسيين إلى أن موسكو ظلت تعمل بجهد على تقوية وتعزيز علاقاتها مع السودان بحكم موقعه الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي، وتركز بصورة واضحة على موارده الطبيعية وثرواته المعدنية النفيسة وعلى رأسها الذهب. وتشهد العلاقات الروسية – السودانية تنامياً مطرداً خلال الأعوام الأخيرة، ففي الوقت الذي تبحث الحكومة الحالية عن ملاذ دولي في ظل ما يشبه المقاطعة الغربية ووقف المعونات والتسهيلات المالية باستثناء العون الإنساني، بعد إجراءات قائد الجيش في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تعمل موسكو من جانبها على تعزيز علاقاتها مع الخرطوم في سياق تأمين مصالحها في العمق عامة والقرن الأفريقي على وجه الخصوص. ويبدي السودانيون قلقاً بالغاً من عمليات تهريب الذهب بصورة تحرم اقتصاد البلاد من هذا المورد، ولم تفلح كل الإجراءات التي اتخذت للحد من ظاهرة التهريب والسيطرة على إنتاج الذهب.