في السنوات الأخيرة، قامت البنوك المركزية بتحصين أصولها النقدية والذهبية في أقبية وسراديب أرضية. وعلى الرغم من عدم معرفة الحجم الدقيق لمخزون الذهب في خزائن البنك المركزي المصري، إلا أن الأرقام الرسمية تشير إلى نشاط مصري في شراء وتخزين أطنان من الذهب.على الرغم من أن مصر ليست أكبر دولة من حيث امتلاك احتياطات الذهب، إلا أن سلوكها الشرائي النشط يفوق حجم طلب العديد من البلدان الأخرى في فترة زمنية قصيرة. وبينما تعاني البلاد من شح النقد الأجنبي وتراجع احتياطاتها من العملات الصعبة، تستمر مصر في شراء المزيد من الذهب، مما يثير تساؤلات حول الأسباب والأهداف وراء هذه الخطوة.تشير الأرقام إلى زيادة في حصة الذهب ضمن الاحتياطات الدولية لمصر، مما يشير إلى عمليات شراء واسعة نفذتها القاهرة لزيادة تعرضها للمعدن الأصفر، في حين أن احتياطات النقد الأجنبي للبلاد تنمو بوتيرة أقل.في إبريل (نيسان) من العام الماضي، أعلن البنك المركزي المصري ارتفاع صافي احتياطات النقد الأجنبي للبلاد، وعلى الرغم من ذلك، التقرير الأحدث يشير إلى أن الاحتياطات تتضمن 26.477 مليار دولار من العملات الأجنبية، و7.950 مليار دولار من الذهب، بالإضافة إلى 22 مليون دولار من وحدات حقوق السحب الخاصة.على الرغم من عدم معرفة وزن الذهب الدقيق الذي يحتويه خزان البلاد، إلا أنه يُعتقد أن مصر تمتلك مئات الأطنان من الذهب، بناءً على قيمة المعدن وسعر الأوقية في بداية العام (1830 دولار) وقيمة الذهب الحالية (7.950 مليار دولار).وفقًا لمراجعة مكون الذهب في احتياطات مصر الدولية، تبين أن قيمة الذهب لدى البنك المركزي المصري قد زادت على مدار الأعوام. في يونيو 2018، كان لدى مصر ذهبًا بقيمة 2.7 مليار دولار، مقابل 42 مليار دولار من العملات الأجنبية وحقوق السحب الخاصة. ثم ارتفعت قيمة الذهب في يونيو 2019 إلى 2.82 مليار دولار. في يونيو 2020، قام البنك المركزي المصري بتضخيم مشتريات الذهب ليصل إلى 4.076 مليار دولار.وفي يونيو 2021، بلغت مشتريات البنك المركزي المصري من الذهب 4.111 مليار دولار، ثم ارتفعت إلى 7.314 مليار دولار في يونيو 2022، وصولاً إلى 7.326 مليار دولار من الذهب بنهاية عام 2022. وفي يناير وفبراير ومارس من العام الحالي، بلغت قيمة الذهب لدى البنك المركزي المصري على التوالي 7.773 مليار و7.372 مليار و7.950 مليار دولار. هذه هي آخر الأرقام الرسمية المعلنة من قبل البنك المركزي.على ما يبدو، كانت مصر حريصة على زيادة مشترياتها من الذهب لتقليص نفوذ الدولار ودعم الجنيه المصري، خاصة في ظل تراجع رصيد العملات الأجنبية. يتماشى هذا التراجع مع بيانات صندوق النقد الدولي الذي أعلن أن احتياطات البنوك المركزية من الدولار الأميركي انخفضت إلى 58.36٪ في نهاية العام الماضي، وهو أدنى مستوى منذ عام 1995.تسعى القاهرة أيضًا إلى تنويع إصداراتها من السندات غير المقومة بالدولار الأميركي، بما في ذلك إصدار سندات السموراي المقومة بالين الياباني بقيمة 500 مليون دولار في العام الماضي، ومن المقرر إصدار سندات الباندا المقومة باليوان الصيني بقيمة 500 مليون دولار في الربع الأول من العام المالي المقبل. وفي الواقع، أصبحت مصر أكبر مصدر لسندات اليورو في أفريقيا وفقًا لتقرير “بلومبيرغ”.تتكبد الأسواق الناشئة، بما فيها مصر، تداعيات الدولار القوي، نظرًا لاعتماد عملاتها على الدولار الأميركي، مما يتطلب سداد التزاماتها بالدولار وزيادة ديون هذه الدول وتدهور عملاتها المحلية.ووفقًا لمجلس الذهب العالمي، أصبحت مصر خامس أكبر مشترٍ للذهب خلال الربع الأول من هذا العام، حيث قامت بشراء سبعة أطنان من المعدن الأصفر. ويتصدر تركيا والصين واليابان وإيران قائمة أكبر المشترين. في الوقت نفسه، كان البنك المركزي المصري أكبر مشترٍ للذهب في العالم خلال نفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغ إجمالي مشترياته 44 طنًا.تستمر عوامل التوترات الجيوسياسية والتضخم وأسعار الفائدة في أن تكون محل اهتمام محافظي البنوك المركزية. ومع استمرار هذه المخاوف، من المتوقع أن يكون طلب البنوك المركزية على المعدن الأصفر قويًا في الفترة المقبلة.في مايو الماضي، ارتفع معدل التضخم الأساسي السنوي إلى 40.3٪، مقارنةً بمعدلات 38.6٪ و39.5٪ في أبريل ومارس على التوالي، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري. وشهد معدل التضخم العام الشهري ارتفاعًا إلى 2.7٪ في الشهر الماضي من 1.7٪ في الشهر السابق له.هبط سعر الجنيه المصري رسميًا أمام الدولار الأميركي من 15.75 في مارس 2022 إلى متوسط 30.85 في يونيو الحالي. في الوقت نفسه، استمرت السوق السوداء في تسجيل أسعار أعلى للدولار، حيث بلغت في المتوسط 40 جنيهًا (1.29 دولار بالسعر الرسمي).تأثر سعر الجنيه المصري بندرة الدولار نتيجة لتشديد السياسة النقدية التي اتبعتها البنوك المركزية، بما في ذلك مجلس الاحتياط الفيدرالي، نهاية عام 2021. هذا التشديد أدى إلى خروج 20 مليار دولار من سوق أدوات الدين الحكومية بنهاية الربع الأول من عام 2022 وتراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي بنسبة 97.7٪ عبر ثلاث عمليات لتحرير سعر الصرف.يرون المتخصصون أن فترات الاضطراب السياسي والاقتصادي العالمي دفعت البنوك المركزية إلى زيادة حصتها من الذهب في احتياطاتها الدولية، خاصة في ظل التوترات المتعلقة بالحرب الروسية – الأوكرانية والتباينات في السياسات النقدية، سواء كانت سياسات التيسير أو التشديد.يعتقد ماجد فهمي، الرئيس السابق لبنك التنمية الصناعية، أن التذبذب الكبير في أسعار العملات، وخاصة الدولار الأميركي، في ظل الأحداث العالمية المتسارعة منذ بداية جائحة كورونا وحتى التشديد النقدي العالمي لمكافحة التضخم والتوترات الناجمة عن الحرب الروسية – الأوكرانية، يفسر الاتجاه الذي تبنته القاهرة مبكرًا. هذا الاتجاه يعد اتجاهًا عامًا يتبناه الأفراد والحكومات على حد سواء.وفقًا لما صرح به ماجد فهمي لـ “اندبندنت عربية”، يلاحظ وجود اتجاه عالمي في ظل العالم المتشرذم والمنقسم لخفض حصة الدولار الأميركي في الاحتياطات الدولية والتجارة. اتجاه تبنته دول مثل روسيا والصين والهند، ثم انضمت إليه دول أخرى في تجمع “بريكس” مثل البرازيل وجنوب أفريقيا. وهذا يجعل دول أخرى مثل مصر تتعامل بحذر في زيادة احتياطاتها الدولية من الدولار الأميركي. إذ أي تراجع في حصة الدولار عالميًا قد يؤدي إلى تراجع قيمته، وبالتالي تقل قيمة احتياطات تلك الدول. وقد قدمت مصر طلبًا رسميًا للانضمام إلى تجمع “بريكس”، وتعتبر هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية التحوط ضد تقلبات سعر الصرف ودعم العملة المحلية.يؤكد ماجد فهمي أن البنك المركزي المصري بدأ في تخزين الذهب منذ عام 2019، ويعتبر الذهب ملاذًا آمنًا في الأوقات الأزمة وفترات عدم اليقين الاقتصادي. وتظهر الأرقام أن هناك زيادة في طلب الذهب من قبل البنوك المركزية خلال الأزمات الاقتصادية. ويعتبر تنويع الأصول في المحفظة الاستثمارية أمرًا صحيًا ومطلوبًا، حيث لا تتأثر المحفظة الاستثمارية بشكل كبير في حال تعرض أحد المكونات للتأثر.وفي نفس السياق، يوافق المتخصص الاقتصادي عبد المنعم السيد على أن الذهب يعتبر تحوطًا جيدًا في الأوقات الأزمة وفترات عدم اليقين الاقتصادي، وأنه يشهد طلبًا مرتفعًا خلال الاضطرابات الاقتصادية. وبناءً على استطلاع أجري، تشير التوقعات إلى أن 24% من البنوك المركزية حول العالم تعتزم زيادة احتياطاتها من الذهب خلال الأشهر القادمة.نقلا عن موقع اندبندنت عربية