اكتشف المصريون القدماء الذهب منذ أقدم العصور، وكانوا أول من استعمل الذهب، واكتشفوا نحو 125منجمًا بالصحراء الشرقية ومنطقة البحر الأحمر والنوبة، والتي تعنى “أرض الذهب” باللغة المصرية القديمة.وكانت مصر القديمة غنية بالذهب، وقد قال أحد حكام الشرق الأدنى للملك أمنحتب الثالث:«ابعث لي بكمية من الذهب؛ لأن الذهب في بلادك مثل التراب”. بدوره يقول الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار في تصريح لـ”بوابة الأهرام” إن البردية الذهبية في متحف تورينو بإيطاليا والتي تعود لعهد الملك سيتى الأول من الأسرة التاسعة عشرة تشير إلى مناجم الذهب المنتشرة بالصحراء الشرقية، أما الاكتشافات الأثرية المتعاقبة فتعكس تمتُّع المصريين القدماء بخبرة هائلة في مجال التنقيب عن الذهب استخراجه من عروق الكوارتز، فضلا عن خبرتهم الكبيرة في مجال تصنيعه.واستخدم الفراعنة النار والغاب المصنوع من الخزف لصهره، وتشير المناظر الموجودة على جدران المقابر المصرية القديمة إلى أن المصريين القدماء أدخلوا النار في صناعة الذهب، وتصور هذه المناظر العمال وهم يصهرون المعدن في أوعية كبيرة من الخزف، يقف حولها العديد من العمال، وهم ينفخون النار بأنابيب طويلة من الغاب، وأطرافها من الخزف الذي يحترق، ثم يصبون الذهب بعد صهره في قوالب لعمل الحًلي. وكانت التقنيات الأولية المستخدمة في صناعة الذهب خلال المراحل الأولى عند المصريين القدماء لم تكن تعتمد على النار، بل كانت تعتمد على تحويل الأشكال وتغييرها بواسطة المطرقة والسندان وأدوات الضغط.وكانت أنامل الأقزام وراء دقة صياغة المشغولات، وصنع المصريين القدماء من الذهب أشياء كثيرة، وهناك قبة ذهبية ضمن آثار مقبرة الملكة “حُتب حِرس”، والدة الملك خوفو وزوجة الملك سنفرو، وقناع الملك توت عنخ آمون الذي يزن نحو 11 كيلوجرامًا، وتابوته الذي يزن حوالي 110,5 كيلوجرام من الذهب الخالص.وارتدى المصريون القدماء الكثير من الذهب في مجوهراتهم الثمينة، وتم استخدام الذهب في منحوتاتهم الجميلة، وتم تخصيصه لكبار رجال الدولة.وأكد شاكر، أن الفراعنة دفنوا الذهب معهم، ولم يعبد المصريين القدماء الذهب وقدسوا اللون الذهبي الذي كان يرمز إلى لون أشعة الشمس.وارتبطت صناعة الذهب عند المصريين القدماء بعقيدة الخلود؛ لأن لونه لا يتغير بمرور الزمن.وكانت صناعة الذهب من أهم الحرف المصرية، وارتبط الذهب بالطقوس الجنائزية والمعتقدات.ويحتل الذهب في الحضارة المصرية القديمة أهمية كبيرة في الحياة الاجتماعية وطقوس الموت والحياة، واشتهرت مصر القديمة بمناجمها التي استخرج منها المصري القديم الذهب بوفرة والمصنوعات الذهبية والحُلي.هُناك قطع مهمة من حُلى المصريين القدماء جاءت من تانيس (صان الحجر) مثل القناع الذهبي للملك “بسوسنس الأول” من الأسرة الحادية والعشرين، ومجموعات عديدة من الأواني الذهبية، وكذلك التاج الذهبي للأميرة “سات حتحور يونت”، فضلا عن أساور الملكة “حُتب حِرس” من الأسرة الرابعة، وأساور من عهد الملك “جر” من الأسرة الأولى.وأضاف مجدي شاكر، بأن الذهب عند المصريين القدماء كان من الأشياء المهمة التس تزينوا بها حياتهم واصطحبوها معهم في عالمهم الآخر، فعاشت كنوزهم الذهبية من مصر القديمة قادمة إلينا من عالم الخلود كي تسحر عقولنا بجمالها الأخاذ الذي ليس له مثيل في العالم كله.أما أقدم خريطة طبوغرافية في العالم، تُعرف بخريطة مناجم الذهب اكتشفها Bernardino Drovetti ما بين عامي 1814-1821م، وقام ببيعها للملك Charles Felix حاكم سردينيا قبيل عام 1824م؛ ليضمها لمجموعته الخاصة.وتعد هذه الخريطة وثيقة هامة توضح مدى ما توصل إليه المصريين القدماء من معرفة مكنتهم من الكشف عن مناجم الذهب في مصر، حيث تشير البردية إلى منجم الفواخير وسلسلة مناجم الذهب الواقعة في قلب الصحراء ما بين الأقصر والبحر الأحمر، ويصل طول البردية لحوالي 3 أمتار و41سم، وقد رُسمت في عهد الفرعون رمسيس الرابع، وتحتوي على أكثر من عشرة نصوص والعديد من الرسومات مُنفذة بالخط الهيراطيقي .وهذه البردية محفوظة حاليًا بمتحف الآثار المصرية بمدينة تورين في إيطاليا، وتحمل اسم بردية “مناجم الذهب” أو “بردية تورين للذهب”، وهي أقدم خريطة طبوغرافية وأقدم وصف لمناجم الذهب والمسافات بينهم في مصر، وأقدم نص يسجل عملية التعدين في العالم كانت الفضة نادرة وغالية الثمن؛ مما جعل المصريون يقومون باستيرادها من الخارج، فيما كان الذهب شائعا حتى في غشه، حيث كان غش الذهب يتم عن طريقة خلطه بالنحاس.وتدل النقوش الصخرية التي تحوي كتابات باللغة الهيروغليفية، والهيراطيقة تسجيل بعثات التعدين التي أرسلها الملوك للحصول على المواد الثمينة من الذهب وجلب الأحجار التي استخدمت في مشاريع البناء والتوابيت وكذلك التماثيل.