تواجه مصر معضلة صعبة لتحديد
مسار الجنيه الذي يضغط على اقتصاد البلاد و يقفز بمعدلات التضخم التي لم تهدأ حتى
بعد أن رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة ألف نقطة أساس العام السابق .
وتمثل المعضلة في موازنة السلطات
المصرية بين تكاليف خفض قيمة العملة والانتقال إلى نظام سعر صرف مرن مقابل المخاطر
الاقتصادية المحتملة من استمرار السوق الموازية، بحسب “غولدمان ساكس”.
تشترط السلطات المصرية تحسين
سيولة العملات الأجنبية في السوق قبل التحرك نحو سعر صرف مرن، وفق تقديرات البنك
الأميركي، الذي أشار إلى ترقبه إحراز تقدم في بيع أصول الدولة (عبر برنامج
الطروحات الحكومية) قبل إجراء أي تعديلات أخرى على سعر الصرف.
وصرح “غولدمان ساكس”
إلى أن اتخاذ هذا الإجراء من
شأنه أن يقلل من مخاطر هبوط سعر الصرف على نحو كبير والعواقب الاقتصادية السلبية
المرتبطة به، مشيرا أن هذا الأمر يعتمد على مدى قدرة السلطات على المضي قُدماً في
برنامج الطروحات الحكومية على المدى القريب.
المزيد من التأخير على هذا
الصعيد، سيجعل تجنب تعويم قاس للجنيه أمراً أكثر صعوبة، وفق تقرير البنك الذي أعده
فاروق سوسة محلل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في”غولدمان ساكس”، مؤكدًا إلى أن الضغط من صندوق النقد
الدولي من المحتمل أن يؤثر على الانتقال إلى مزيد من المرونة في سوق العملة، إذ إن
الانتهاء من المراجعة الأولى في إطار البرنامج الحالي مع الصندوق يعتمد جزئياً على
الأقل على حدوث التعويم.
من المؤكد أن هناك أسباباً
مشروعة تجعل إجراء تخفيض إضافي لقيمة الجنيه والانتقال إلى نظام سعر صرف أكثر
مرونة أمراً غير مرغوب فيه من منظور صناع القرار، بحسب التقرير، الذي أشار إلى أن
هذه العوامل تتمثل في أن سعر الصرف الحالي مقوم بأقل من قيمته الحقيقية، وفق
تقديرات “غولدمان ساكس”، حيث صرح : “أدت التخفيضات المتعددة لقيمة العملة خلال
العام السابق إلى جعل الجنيه المصري أقل بنسبة 25% تقريباً من قيمته العادلة، المحتسب على أساس
متوسط سعر الصرف الفعلي الحقيقي في 10 سنوات”.
يرى البنك، في سرده لأسباب عدم
قيام السلطات بتبني سعر مرن إلى الآن، أن المزيد من تراجع قيمة العملة لن يؤدي إلى
حل أزمة الاختلالات الخارجية، إذ يرجح أن تظل الواردات عند المستويات الحالية،
وبالتالي ستزداد تكلفة الواردات وتساهم في تقييد الوصول إلى العملات الأجنبية. كما أنه يستبعد “أن يؤدي
المزيد من هبوط قيمة العملة إلى تحسين المعروض من العملات الأجنبية”. لكنه يقول
إن الدخول في دوامة تضخم قد تكون أحد أسباب عدم قيام الحكومة باتخاذ خطوات لتطبيق
سعر صرف مرن.
في الوقت نفسه، فإن استمرار
الأوضاع الحالية دون تغيير، يعني تحول تدفقات العملات الأجنبية بعيداً عن السوق
الرسمية، ويشمل ذلك تحويلات المصريين المغتربين في الخارج، كما أنه يشجع الممارسات
السيئة مثل الإفراط في فاتورة الواردات الصادراتبأقل من قيمتها، وفق التقرير،
الذي أشار إلى أن سوق العملات الأجنبية الموازي المزدهرة تسير عادة جنباً إلى جنب
مع اقتصاد مواز مزدهر.
من التداعيات أيضاً، غياب
تكافئ الفرص في السوق، إذ إن صعوبة الوصول إلى عملات أجنبية عبر القنوات الرسمية
سيسمح لبعض الفئات بالحصول عليها دون الآخرين، ما يشوه المشهد التنافسي، وفق
التقرير.
وأكمل “غولدمان ساكس” إلى أن
استمرار الوضع الحالي يثبط الاستثمار المحلي والأجنبي أيضاً. وصرح : “كلما
ارتفعت أهمية السوق الموازية كمصدر للعملات الأجنبية للتجار، زاد احتمال أن يتم
تحديد الأسعار المحلية بواسطة سعر السوق الموازي بدلاً من السعر الرسمي.. وهذا يعني ضياع
ميزة محتملة تتمثل في الحفاظ على عملة قوية نسبياً”.
نقلا عن موقع الشرق