في أول نوفمبر 2016، أعلنت مصر عن خفض كبير في سعر الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، وذلك في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي قامت به بمساعدة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وعلى الرغم من مرور سبع سنوات على هذا التعويم الأول، تعاني مصر حاليًا من أزمة حادة تتعلق بنقص الدولار في البلاد، والتي بدأت في الربع الأول من العام الماضي.عندما عادت مصر للتعامل مع صندوق النقد الدولي لطلب تمويل جديد، كان من الشروط اللازمة أن يتبنى البنك المركزي المصري نظام صرف مرن للدولار، أي تعويمًا كاملاً للجنيه المصري مقابل الدولار. ومع ذلك، وبالرغم من الإجراءات المتعددة التي اتخذتها الحكومة المصرية بالتعاون مع البنك المركزي، لا تزال الأزمة قائمة.في الوقت الحالي، يتم تداول الدولار في السوق الرسمية بسعر قريب من 31 جنيهًا، في حين يتم تداوله في السوق السوداء بمستويات تقترب من 38 جنيهًا، مما يعني تزايد أعمال المضاربة على الدولار في السوق السوداء.تتواجه الحكومة المصرية والبنك المركزي بتحديات كبيرة لمعالجة هذه الأزمة وتحسين توفر الدولار في البلاد. قد تتطلب هذه الجهود إجراءات إضافية وتعاون مكثف مع المؤسسات المالية الدولية لتعزيز الاستقرار النقدي وتحسين قيمة العملة المصرية. مصر قامت باتخاذ إجراءات اقتصادية للتصدي للتحديات المالية التي تواجهها، بما في ذلك اعتماد سعر صرف مرن للجنيه المصري مقابل الدولار ومنح دور أكبر للقطاع الخاص. تمت الموافقة على حزمة دعم مالي بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وذلك لتنفيذ إصلاحات نقدية ومالية. واجهت الحكومة المصرية ضغوطاً مالية قبل أزمة في أوكرانيا تسببت في تراجع إيرادات السياحة وزيادة فواتير الاستيراد وسحب المستثمرين الأجانب لأموالهم.من بين المخاوف التي تنبع من هذا الوضع هو احتمال ارتفاع معدلات التضخم. يتحدث رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري عن خطورة تخفيض قيمة الجنيه المصري بشكل أكبر، حيث ستزيد الأعباء المعيشية على المواطنين وتؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم. ولذا، ينظر البعض إلى زيادة دور القطاع الخاص وتنفيذ برنامج الطروحات أو خصخصة الشركات والبنوك لجذب استثمارات أجنبية وتوفير الدولارات وتقليل الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية.وفقًا للمحللين الماليين، يعود سبب الأزمة إلى استمرار ارتفاع الطلب على الدولار في مصر مع انخفاض تدفقاته. وعلى الرغم من أن خفض قيمة الجنيه قد يساهم في تقليل الطلب على الدولار، إلا أنه لن يحل الأزمة بشكل كامل. ينصح بتنويع مصادر الحصول على الدولار من خلال تعزيز الإنتاج المحليفي تصريحه، أشار عمرو الألفي، رئيس قسم البحوث في شركة برايم لتداول الأوراق المالية، إلى أن قضية تخفيض قيمة الجنيه المصري أو عدم خفضها تعد الأهم في السوق المصرية. وأوضح أن قيمة الجنيه المصري انخفضت بنسبة تقرب من 70% منذ عام 2016، ولكن الجزء الأكبر من هذا الانخفاض حدث في فترة زمنية قصيرة تقل عن عام.وأشار الألفي إلى استمرار العجز التجاري في مصر، وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتراجع الاستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية ذات الدخل الثابت والأسهم منذ بداية عام 2022. وأشار إلى بعض الإشارات الإيجابية القليلة التي تأتي من تخفيف إجراءات كورونا على مستوى العالم، ومن تحسن عائدات قناة السويس وقطاع السياحة.وأكد الألفي، وفقًا لتقارير إعلامية محلية، أن الجنيه المصري يتعرض لضغوط من عدة جهات دولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي الذي لم يكن راضيًا عن التقدم الذي تم تحقيقه بعد توقيع آخر اتفاقية ائتمان بقيمة 3 مليارات دولار مع مصر. ومن بين الجهات الدولية الأخرى التي تمارس ضغوطًا على الجنيه المصري، تشمل وكالات التصنيف الكبرى التي خفضت تصنيف مصر وتوقعاتها، مثل “موديز” و”ستاندرد آند بورز غلوبال ريتينجز” و”فيتش”.وأشار الألفي إلى أن بعض البنوك الاستثمارية العالمية، مثل “غولدمان ساكس” و”إتش إس بي سي” و”بنك أوف أميركا”، دعت إلى تخفيض سعر الجنيه المصري لمواجهة التحديات الحالية. ومع ذلك، أوضح الألفي أنه لا يعتقد أن هذا التخفيض سيكون الحل للمشاكل الاقتصادية التي تواجهها مصر.بناءً على هذه التصريحات، يمكن اعتبار أن الاستقرار النقدي والاقتصادي في مصر هو قضية هامة تستحق الاهتمام والتحليل الدقيق لتأثيرها على السوق المصرية والاستثمارات المحلية والأجنبية في البلاد.نقلا عن موقع العربية