منذ تخرجه في الجامعة من قبل
عامين، ظل خليل البالغ من العمر 26 عاما يبحث عن وظيفة يساعد بها أسرته البسيطة، حتى
اضطر في النهاية لترك طموحاته المهنية والعمل في مناجم الذهب النائية بإحدى مناطق
التعدين شمالي السودان.
لكنه توفي بعد شهرين من العمل
المضني تحت أنقاض بئر سقطت عليه هو و 4 عمال آخرين، لينضم إلى عشرات الشباب الذين
فقدوا أرواحهم في مناطق التعدين المنتشرة بمعظم أنحاء السودان.
ووفقا لبيانات رسمية صدرت في
أبريل عن الشركة السودانية للموارد المعدنية، وهي ذراع رقابي حكومي، لقي 172 مُعدِّن تقليدي
مصرعهم في آبار الذهب في السودان في عام 2022.
وأقر مدير الشركة مبارك أردول
بالتقصير في تعزيز إجراءات السلامة، وتحدث إن انتشار التعدين التقليدي في مناطق
واسعة من البلاد يجعل من الصعوبة تحقيق إجراءات سلامة كاملة، والسيطرة على الحوادث
التي تقع خلال عمليات التنقيب.
ويعتمد التعدين التقليدي على
عمليات يدوية باستخدام أدوات بسيطة لتكسير وطحن الصخور، من دون آليات ثقيلة مثل
التي تستخدمها الشركات عادة.
وفي حين يلقي المدير العام
للشركة السودانية للموارد المعدنية جزءا من المسؤولية على المُعدِّنين أنفسهم
ويقول إنهم لا يتقيدون بإجراءات السلامة، يشير المستشار القانوني المهتم بقضايا
التعدين محمد الواثق العباسي إلى عدم وجود أي جسم أو كيان يتبنى سلامة المعدنيين
وحمايتهم من المخاطر أو حتى بث التوعية بينهم.وأشار العباسي لموقع “سكاي نيوز
عربية”، أن “هناك أجساما وكيانات أهلية تدافع عن حقوق المجتمعات المحلية، ونصيبها من
العائد المادي، وحمايتها من المخاطر البيئية للتعدين التقليدي”. • تزايدت
حوادث انهيار الآبار والمناجم مع اتساع رقعة التعدين التقليدي في البلاد، وكان
آخرها انهيار منجم بشمال السودان راح ضحيته 14 فرد بالاضافة إلى عدد من الإصابات.يجتذب التعدين التقليدي عددًا
كبيرة من الشباب السودانيين بسبب الربح السريع الذي يحققه، في بلاد يعيش نحو 60 ب٪من سكانه تحت
خط الفقر.رغم إسهام قطاع التعدين في
تغيير حياة الكثير من الناس وتحسين مستويات دخلهم، فإنه كان وبالا أيضا، حيث تزداد
معدلات الوفيات في حوادث تهدم الآبار وغيرها من الحوادث المرتبطة بانعدام وسائل
السلامة في مواقع التعدين. على جانب آخر، تشكل أنشطة التعدين خطرا بيئيا
كبيرا على سكان المناطق التي تمارس فيها تلك الأنشطة، حيث كشف تقرير صادر عن
مجموعة من الباحثين السودانيين عن انتشار حوالي 450 ألف طن من مخلفات تعدين الذهب المليئة
بالزئبق والمواد الضارة الأخرى، في ولاية نهر النيل شمالي الخرطوم وحدها.
ويسهم التعدين التقليدي حوالي 56 ٪ من مجمل
إنتاج الذهب في السودان بحسب بيانات عام 2022، وينتشر في 14 من أصل 18 ولاية، ويستوعب مليوني عامل.وبلغ إنتاج قطاع التعدين
التقليدي 23 طنا من المعدن الأصفر عام 2022، من جملة الإنتاج الكلي المسجل المقدر بنحو 41 طنا، وفقا
لبيانات رسمية. ورغم الأهمية الكبيرة التي
يتميز بها قطاع التعدين الأهلي ودوره الفاعل في توفير سبل العيش لعشرات الآلاف من
الأسر، وارتفاع عائدات البلاد من المعادن النفيسة ،فإن السنوات القليلة السابقة
شهدت تصاعدا ملحوظا في الشكاوى، وأبرزها انعدام إجراءات السلامة والحماية للعاملين
في مواقع التعدين، إضافة إلى عدم الالتزام بالاشتراطات البيئية اللازمة لدرء
المخاطر المترتبة على استخدام المواد الكيميائية، وآثارها على الإنسان والحيوان
والتربة.ويبدو واضحا مستوى القصور في
إجراءات السلامة من خلال البيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني الرسمي للشركة
السودانية للموارد المعدنية، التي تشير إلى أنها نفذت في 2022
حملات إرشاد تعديني في 5 ولايات فقط، مع
توفير معينات توطين لهذه الحملات في 4 ولايات. ويرى مراقبون وعاملون في
المجال أن هذا الجهد لا يتناسب مع حجم المخاطر المترتبة على التعدين التقليدي، ولا
مع حجم الإيرادات التي يحققها في إنتاج الذهب للسودان.ويؤكد عمار العلمين رئيس تجمع
المُعدِّنيين التقليديين بسوق الطواحين في منطقة أبو حمد بولاية نهر النيل، أن
الجهات المختصة لا تلتزم بمسؤولياتها تجاه هذا القطاع.
ويقول لموقع “سكاي نيوز
عربية” إن الشركة السودانية للموارد المعدنية لا تستمع مطلقا لأصوات المُعدِّنيين أو
ممثليهم، مضيفا إلى وجود هوة كبيرة بين الميزانيات المعلنة لتغطية بند السلامة وما
يتم صرفه بالفعل.ويضيف:
“إذا وفرت الشركة خدمات
الدفاع المدني وفقا لمعايير السلامة المعروفة، لتم إنقاذ الكثيرين من الموت،
وتراجعت نسبة الضحايا التي باتت هاجسا يتجدد كل يوم”.
نقلا عن موقع سكاي عربية نيوز