"صراعات جيوسياسية وانقطاع الإمدادات: التحديات التي تواجه صناعة تعدين الذهب"

المصدر : العرب الاقتصادية الدولية

إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع” هي حكمة عربية خالدة تعني أنه إذا كنت ترغب في أن يتم احترامك وطاعتك، عليك أن تطلب أمورًا ممكنة ومناسبة. هذا الحكم يمكن أن يفسر جزئياً فشل الحملة الدولية التي شنها عدد من الباحثين في جامعة أكسفورد العام الماضي ضد صناعة التنقيب عن الذهب.الحملة التي دعا إليها الباحثون كانت تهدف إلى إنهاء عمليات التعدين عن الذهب عالميًا بسبب الأثر البيئي الضار لهذه الصناعة والاعتماد الكبير على الماء في إنتاجه. ولكن الحملة لم تحقق نجاحًا كبيرًا، وذلك بسبب صعوبة تحقيق مطالبها المفرطة.إن إنهاء صناعة التنقيب عن الذهب بشكل كامل هو أمر غير واقعي ولا مستطاع في الوقت الحالي. فالذهب له قيمة اقتصادية هائلة ويعتبر مصدرًا مهمًا للعديد من الصناعات والمجتمعات. إذا تم وقف إنتاج الذهب بشكل مفاجئ، فسيكون له تأثير كبير على الاقتصادات العالمية وسوق المجوهرات والتكنولوجيا.مشكلة صناعة التعدين تتعدى مسألة البصمة المائية وتشمل تحديات عديدة أخرى. تشير الدراسات إلى أن هناك نقصاً عالمياً في المهارات اللازمة لصناعة التعدين، وهناك حاجة ملحة لتطوير الكفاءة واستخدام التكنولوجيا المتقدمة في عمليات التعدين. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع تكاليف الإنتاج والتنقيب والمخاطر البيئية تشكل تحديات كبيرة أمام الشركات المعدنية.على الرغم من تلك التحديات، فإن شركات التعدين لا تزال تسعى للتوسع وتنفيذ عمليات الاندماج والاستحواذ في صناعة التعدين على الذهب، بهدف تعزيز الإنتاج وتحقيق مزيد من الاكتشافات في هذا المجال. قد تساعد هذه الصفقات في تحسين كفاءة العمل وتطوير تقنيات جديدة لتحقيق الاستفادة القصوى من موارد الذهب.صناعة التنقيب عن الذهب تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاستدامة البيئية ونقص المهارات والكفاءة، ولكنها لا تزال تسعى لتحقيق التوازن بين الطلب العالمي على الذهب والحفاظ على البيئة وتحسين كفاءة العمل. قال ستانلي، في حديثه لصحيفة “الاقتصادية”، إن الاندماج المتزايد بين شركات التنقيب عن الذهب يرجع جزئيًا إلى ارتفاع أسعار الذهب خلال جائحة كورونا، مما أعاد انتباه الناس إلى مشاريع التنقيب، حتى وصل الأمر إلى ازدهار التعدين غير القانوني في غابات الأمازون. وأشار إلى أن الحكومات قد اقترضت مبالغ ضخمة لتمويل خطط الاستجابة لجائحة كورونا وقد قامت بطبع الكثير من الأموال لسد العجز المالي، مما أدى إلى تقلب قيم العملات ودفع الناس إلى البحث عن الذهب كملاذ استثماري آمن. ويعتقد المستثمرون أن الطلب على الذهب سيزداد في المستقبل نظرًا لثقة الناس به وقدرته على الاحتفاظ بقيمته. إذا لم تتوسع شركات التنقيب عن الذهب في نطاق عملها، فإن صناعة الذهب ستواجه أزمة حقيقية.وأكد ستانلي أن صناعة التعدين الذهب تواجه تحديات كبيرة في الاستثمار والتشغيل، حيث تتضمن عمليات التنقيب التزامات قانونية طويلة الأجل وتتطلب وقتًا طويلاً لتطوير منجم ذهب يكون ذا طابع تجاري. وهذا يجعل تحقيق الربحية تحديًا كبيرًا بالنسبة لشركات التنقيب عن الذهب، مما يدفعها للبحث عن فرص للاستحواذ أو الدمج بطرق عدوانية للغاية.ويرى بعض الخبراء أن التحدي الأساسي الذي تواجهه شركات التعدين على الذهب في السنوات المقبلة يكمن في التفاعلات الجيوسياسية، التي تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد مسار الاقتصاد الدولي. وتتأثر شركات التنقيب عن المعادن بشكل كبير بالتوترات السياسية مثل الحرب في أوكرانيا والتوترات بين الولايات المتحدة والصين. فعلى سبيل المثال، روسيا تعد واحدة من أكبر منتجي الذهب في العالم، بينما تعد الصين في مقدمة المستهلكين. وبالتالي، يعد التضمين الجيوسياسي اليوم جزءًا رئيسيًا من خطط شركات التنقيب عن الذهب.ونظرًا للعوامل الجيوسياسية التي تخرج عن سيطرة شركات التعدين، فمن الصعب تخفيف تلك المخاطر أو تحديد تكاليفها الفعلية. في كثير من الأحيان، يكون من مصلحة شركات التنقيب عن الذهب بناء علاقات أقوى مع الحكومات أو الأسواق الاستهلاكية. وتشكل التحديات الجيوسياسية المتعلقة بالتوريد مشكلة جديدة لشركات التعدين، وقد يتطلب ذلك منها تبني استراتيجيات جديدة للتخفيف من هذه المخاطر.وفي الواقع، قد يكون اضطراب سلاسل التوريد أمرًا جديدًا بالنسبة لشركات التعدين، وإذا كان بداية هذا الاضطراب تعود إلى جائحة كورونا، فإن الصراعات الدولية الأخيرة أيضًا تساهم في تصاعده. وعلى الرغم من أن شركات التنقيب تبذل جهودًا لتجنب تأثير انقطاع سلاسل التوريد، فقد يتعين عليها في المستقبل تبني استراتيجيات أكثر ابتكارًا وتطورًا للتخفيف من حدة المخاطر.ويرى ألبرت جوزيف، باحث في الاقتصاد الدولي، أن دخول الصراع الجيوسياسي إلى صناعة الذهب سيتسبب بارتباك وأضرار كبيرة لشركات التعدين على المستوى العالمي. وقد تم فرض عقوبات على شركات روسية كبيرة تنتج الذهب بسبب التوترات السياسية بين روسيا والولايات المتحدة وحلفائها. ولذلك، يجب على شركات التنقيب عن الذهب إيجاد حلول للتعامل مع استبعاد أحد أكبر منتجي الذهب من السوق والتفكير في استراتيجيات لحل مشكلة نقص العمالة الماهرة وتعزيز عمليات الاستحواذ والاحتكار في سوق التنقيب عن الذهب. فبدون ذلك، فإن صناعة التنقيب عن الذهب ستواجه تحديات لم تواجهها من قبل.نقلا عن جريدة العرب الاقتصادية الدولية