على الرغم من أن الذهب لا يزال يعتبر عادةً واحدة من الملاذات الآمنة في فترات الأزمات، إلا أن هناك عوامل وتطورات في الأسواق تؤثر على صورته كأداة للتحوط. يشير الكاتب الاقتصادي تايلر كوين في مقال له في بلومبرغ إلى أن الذهب قد لا يكون بعد الآن وسيلة فعالة للتحوط أو الاستثمار في الأوقات الصعبة، وذلك لأسباب رئيسية:أولاً، يتأثر سعر الذهب بارتفاع أو انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية. عندما ترتفع أسعار الفائدة الحقيقية، ينخفض سعر الذهب.ثانياً، يتأثر سعر الذهب بتغيرات الطلب عليه كسلعة. عندما يتغير الطلب على الذهب، يتغير سعره.وبالتالي، يعني ذلك أن الذهب أصبح أكثر ارتباطًا بالعوامل الاقتصادية ويعتبر أصلًا اقتصاديًا مثل أي أصل آخر. لذا، يجب أن يُنظر إلى ارتفاع أو انخفاض سعر الذهب على أنه تأثير لعوامل اقتصادية متعددة، وقد لا يكون مؤشرًا لاتجاهات اقتصادية سلبية أو انهيار اقتصادي واجتماعي.تتجلى هنا وجهات نظر المحلل الاقتصادي مازن سلهب، حيث يعبر عن وجهة نظره بشأن إعادة تعريف الذهب كملاذ آمن. يشير سلهب إلى أن الذهب قد سجل تراجعًا في الأشهر الأخيرة بسبب ارتفاع عوائد السندات الأميركية وتراجع معدل التضخم. وعلى الرغم من أن سلهب يعتبر “العائد” معيارًا حقيقيًا للتقييم، إلا أنه لا يعتقد أنه يمكن استبعاد الذهب بشكل كامل كملاذ آمن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاستثمار طويل الأجل.مع ذلك، يشير سلهب إلى أنه لا يؤيد تسمية الذهب كملاذ آمن في المطلق، حيث يعتبر الذهب أداة استثمارية تخضع للفوز والخسارة، ويؤكد أن الاستثمار في الذهب يعتمد على عوامل مثل مدة الاستثمار والبلد الذي يعيش فيه المستثمر.وبالتالي، يعكس رأي سلهب رؤية متوازنة بشأن الذهب كأداة استثمارية، حيث يعتبره استثمارًا محتملاً ويعتبر الظروف الاقتصادية والعوامل المحيطة بها عناصر حاسمة لتحديد الفوائد والمخاطر المحتملة للاستثمار في الذهب.يشير كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss إلى العوامل التي ساهمت في تماسك أسعار الذهب عند مستويات مرتفعة رغم ارتفاع أسعار الفائدة. يشير إلى وجود سببين رئيسين لذلك:أولاً، استمرار ارتفاع معدلات التضخم في العالم، والتضخم يعزز الطلب على الذهب، خاصة من قبل الدول والبنوك المركزية. تعتبر الصين والهند والعديد من الاقتصادات الأخرى من الأطراف التي تزيد من طلبها على الذهب. وقد قامت البنوك المركزية بشراء كميات كبيرة من الذهب في الربع الأخير من 2022 والربع الأول من 2023.ثانياً، هناك قراءة حقيقية في السوق لاتجاهات الفيدرالي الأميركي، الذي يعتزم تعليق رفع أسعار الفائدة في المستقبل القريب. هذا التوجه يدعم الذهب.والنقطة الأهم هي أن ميزانية الفيدرالي الأميركي تم تخفيضها بنسبة ضئيلة جدًا، مما يعني وجود سيولة في الأسواق ودعم الذهب. يُشير إلى أن هذه العوامل معاً تدعم استمرار قوة الذهب في الأسواق على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة.هذه الوجهة نظر تلقائية من محلل سوق معين، وتحتاج إلى متابعة الأحداث وتقييم الوقائع الحالية لاكتشاف كيفية تأثيرها على أداء الذهب وسوق الأسهم بشكل عام.وفقًا للخبير الاقتصادي وأستاذ الاستثمار والتمويل، الدكتور مصطفى بدرة، يرى أن الذهب لا يزال الملاذ الاستثماري الأكثر أمانًا، خاصة على المدى الطويل. يُستخدم الذهب كوسيلة لتخزين قيمة الأموال، خاصة في فترات الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، تلجأ البنوك المركزية إلى شراء الذهب كوسيلة للتحوط بعيدًا عن الدولار الأميركي.تقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية أكد أن ضعف الدولار قد زاد من جاذبية الذهب. يشير التقرير إلى أن البنوك المركزية تقلص حيازتها من الدولار بشكل كبير وتبحث عن بدائل آمنة، وتقوم بشراء كميات أكبر من الذهب من أي وقت مضى. تلك الزيادة في الطلب على الذهب ساهمت في دفع أسعاره لمستويات قريبة من المستويات القياسية. يُشير التقرير إلى أن هناك شيئًا جديدًا يدفع أسعار الذهب.وتشير البيانات إلى أن تسعة من كبار المشترين في العالم النامي، بما في ذلك روسيا والهند والصين، يتمتعون بحصة كبيرة في سوق الذهب. وهذه الدول تجري محادثات حول إنشاء عملة جديدة لتحدي الدولار. يُعتبر الذهب وسيلة لثورة البنوك المركزية ضد الدولار.في الأزمة المصرفية الأخيرة في مارس، استمر الذهب في الارتفاع في حين انخفض الدولار، وكان هناك فرق في حركة الأسعار بينهما بشكل ملحوظ.وبناءً على ذلك،يتضح أن الذهب لا يزال يحتفظ بجاذبيته كملاذ استثماري آمن في ظل ضعف الدولار وتحولات الأسواق المالية العالمية. يُشير الخبراء إلى أن الذهب يظل قيمته مرتبطة بعدة عوامل، بما في ذلك التضخم، السياسات النقدية، والاستجابة العالمية للأزمات الاقتصادية والمالية. يجب ملاحظة أن تحليل الأوضاع الاقتصادية والتطورات العالمية مهم لتقييم أداء الذهب واتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.توضح النقاط التي أوردتها الدكتور مصطفى بدرة أهمية الذهب كملاذ استثماري قوي وآمن. يعزو الارتفاع الحاد في أسعار الذهب في بداية العام إلى عدم اليقين الاقتصادي العالمي والتوترات الجيوسياسية، بينما تراجع الذهب مع زيادة أسعار الفائدة وتحسن الآفاق الاقتصادية. ومع ذلك، عاد الذهب للارتفاع مرة أخرى مع تجدد المخاوف من الركود وتزايد التوترات العالمية.يرى الدكتور بدرة أن رفع أسعار الفائدة لم يؤثر كثيرًا على الطلب على الذهب، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد بتوازن الذهب مع الدولار والتحديات التي تواجه العملة الأميركية. يشير أيضًا إلى أن تداعيات جائحة كوفيد-19 وارتفاع معدلات التضخم والسياسات المالية والنقدية تعزز الاعتماد على الذهب كملاذ آمن.ويعكس اهتمام البنوك المركزية بشراء الذهب كوسيلة للتحوط ثقة السوق في قوة الذهب كأداة استثمارية. تقود هذه العوامل إلى زيادة نسبة حيازة البنوك المركزية للذهب.باختصار، يتبين أن الذهب لا يزال يحتفظ بدوره كملاذ استثماري قوي في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المتقلبة، وأنه يستمد قوته من دوره كملاذ آمن والثقة التي توليها البنوك المركزية والمستثمرون له كوسيلة للتحوط والتخزين قيمة في فترات الاضطرابات الاقتصادية والمالية.نقلا عن sky news العربية