تعتمد السودان بشكل كبير على صادرات الذهب للحصول على النقد الأجنبي. وقد بلغت صادرات الذهب في العام 2022 ما يقدر بـ 2.021 مليار دولار، واستقرت فوق مستوى ملياري دولار خلال الأعوام الثلاثة الماضية.في العام الماضي، بلغت صادرات الذهب نسبة 46% من إجمالي عائدات الصادرات السودانية التي بلغت 4.357 مليار دولار. وبناءً على ذلك، يكتسب الذهب أهمية كبرى كمورد رئيسي للنقد الأجنبي في تمويل واردات السودان الضخمة التي بلغت 11 مليار دولار في عام 2022. وبسبب ذلك، تثار مخاوف بشأن تأثير الحرب على عمليات التعدين وسلاسل الإمداد المرتبطة بقطاع المعادن في السودان.قطاع المعادن في السودان يُعد واحدًا من القطاعات الواعدة التي يعتمد عليها الاقتصاد السوداني. يشتمل هذا القطاع على أكثر من 400 شركة حاصلة على تراخيص وعقود للبحث والاستكشاف عن المعادن، وتوزع هذه الشركات على 14 ولاية في السودان.تحتل ولاية البحر الأحمر المرتبة الأولى في قائمة الولايات من حيث عدد المربعات المخصصة للاستكشاف والبحث، حيث تمتلك 51 مربعًا، تليها ولاية نهر النيل بـ 23 مربعًا، ثم ولاية الشمالية بـ 17 مربعًا، وولاية جنوب كردفان بـ 12 مربعًا. يعمل في هذا القطاع حوالي مليوني شخص في الوديان والجبال والصحارى، بالإضافة إلى وجود أكثر من 80 سوقًا تقليدية تنتشر في المناطق القريبة من مراكز التعدين.وفقًا للإحصاءات المتوفرة، يوجد حوالي خمسة آلاف غربال و161 حفرة و11,241 خط إنتاج وبئر حفر واستكشاف، بالإضافة إلى ثلاثة آلاف جهاز محمل لكشف الذهب السطحي. وتبلغ عدد الطواحين التي تطحن الحجر حوالي 10 آلاف طاحونة. تنتشر هذه المعدات الكبيرة في قطاع التعدين التقليدي الذي يسهم بأكثر من 85% من إنتاج الذهب السنوي في السودان.إن إنتاج الذهب قد ازداد بشكل ملحوظ في السودان. بعد انفصال جنوب السودان في عام 2011، تراجعت صادرات النفط الرسمية للسودان بشكل كبير، حيث بلغت حوالي 7 مليارات دولار في عام 2011 وتراجعت إلى 256 مليون دولار في عام 2012 (أول عام بعد الانفصال). وبدأت الصادرات السودانية للذهب تتزايد، حيث بلغت عائدات الصادرات السنوية من المعدن حوالي 1.271 مليار دولار في عام 2014، وارتفعت إلى 1.5 مليار دولار في عام 2017، ثم انخفضت قليلاً إلى 1.2 مليار دولار في عام 2019، وقفزت إلى 2.021 مليار دولار في عام 2022. لعب الذهب دوراً محورياً في تخفيف صدمة خروج النفط من الموازنة وشكل بديلاً ناجحاً في توفير النقد الأجنبي خلال العقد الماضي في السودان، وتسببت هذه الأهمية في تطور قطاع التعدين ودخول شركات كبيرة محلية وأجنبية للاستثمار في القطاع المهم.إن الذهب يلعب دورًا هامًا في اقتصاد السودان، حيث يعتبر مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة والنقد الأجنبي. خلال العقد الماضي، كانت صادرات الذهب تساهم بشكل كبير في تعويض صدمة خروج النفط من الموازنة السودانية. فقد تمكن السودان من زيادة إنتاج الذهب بشكل ملحوظ، مما ساهم في تحقيق عائدات جيدة وتوفير النقد الأجنبي الضروري للاقتصاد.وفي ضوء أهمية الذهب، قامت شركات محلية وأجنبية بالاستثمار في قطاع التعدين في السودان. هذا الاستثمار ساهم في تطوير البنية التحتية وتحسين تقنيات التعدين، مما أدى إلى زيادة إنتاج الذهب وتحسين العائدات المالية للحكومة. كما ساهم هذا الاستثمار في توفير فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة للسكان.ومع ذلك، فإن التهريب يشكل تحديًا كبيرًا لقطاع التعدين في السودان. يشير التقارير إلى أن هناك كميات كبيرة من الذهب تهرب سنويًا خارج البلاد دون المرور بسلطات الجمارك ودون الحصول على التراخيص اللازمة. هذا التهريب يؤدي إلى عدم عودة العائدات المالية للاقتصاد السوداني وتلحق خسائر فادحة بالدولة.يتطلب مكافحة التهريب تعزيز الرقابة الحكومية وتشديد الإجراءات الجمركية وتعزيز التعاون بين الجهات المعنية. يجب أيضًا زيادة الوعي بأهمية تنظيم قطاع التعدين وتعزيز الشفافية في العمليات التعدينية.بشكل عام، يمكن القول إن الذهب يلعب دورًا هامًا في توفير النقد الأجنبي وتعزيز الاقتصاد في السودان، ولكن التهريب يعتبر تحديًا يجب مواجهته بجدية لضمان استفادة الدولة بشكل كامل من هذا المورد الثمين. تواجه الحكومة المدنية في الفترة بين 2019-2021 تحديات كبيرة في معالجة القصور في قطاع التعدين وصادرات الذهب. رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة في تحسين الأداء، إلا أن اندلاع الحرب أدى إلى تفاقم الأوضاع في فترة قصيرة.أحد التحديات الكبيرة التي واجهتها الحكومة هو تهريب الذهب عبر المعابر غير القانونية بسبب انعدام الكشف الفعال عن المعدن المهرب. خروج مطار الخرطوم عن الخدمة جعل من السهل نقل الذهب للخارج، وهذا أدى إلى خسائر مالية كبيرة. تقدر الخسائر التي لحقت بالسودان في أول ثلاثة أشهر من الحرب بما يزيد عن 500 مليون دولار من عوائد صادرات الذهب المتوقعة، بالإضافة إلى كميات أخرى تم تهريبها وصعب تقديرها.تعرضت مصفاة السودان للذهب في الخرطوم لأضرار بالغة بسبب الاشتباكات، ولم يتم تحديد حجم التخريب بالضبط حتى الآن. ومنذ اندلاع الحرب، توقفت المصفاة عن العمل تمامًا، مما أثر على إنتاج الذهب. العامل الثالث الذي يرتبط بمدخلات إنتاج الذهب أيضًا تأثر بفجوات في التوريد، حيث يعتمد السودان على الزئبق السيانيد في معالجة مخالفات الذهب بنسبة محددة من المواد الكيميائية. وبسبب الحرب، هناك نقص حاد في مادة الزئبق بسبب توقف شركة “سودامين” عن توريدها وتوزيعها بإشراف الجهات المختصة. غياب هذا الدور يشكل خطرًا كبيرًا على السودان نظرًا لتزايد استخدام مادة السيانيد في الاستخلاص، مما يزيد من المخاطر البيئية ويهدد البيئة المحيطة.باختصار، الحرب أدت إلى تدهور الوضع في قطاع التعدين وصادرات الذهب في السودان، حيث تم تهريب كميات كبيرة من الذهب وتعرضت المصفاة لأضرار جسيمة. النقص في مادة الزئبق السيانيد يعرض السودان لمخاطر بيئية كبيرة. يجب اتخاذ إجراءات فورية لتعزيز الأمن والمراقبة على المعابر غير القانونية واستئناف عمل المصفاة وتوفير المواد الكيميائية اللازمة لمعالجة الذهب بطرق صحيحة ومستدامة.عربية Inebendent نقلا عن موقع