تشير المذكرة الحديثة التي أعدها معهد التمويل الدولي (IIFC) إلى أن البرنامج الذي توصلت إليه مصر مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي قد خرج عن المسار المخطط له قبل إجراء المراجعة الأولى. ويعزى ذلك جزئياً إلى تردد السلطات المصرية في تنفيذ اصلاحين هامين كانا جزءًا من البرنامج، وهما التحرك نحو تبني سياسة صرف عملة مرنة وتقليص دور الدولة في الاقتصاد.يهدف البرنامج الذي تم الاتفاق عليه بين مصر وصندوق النقد الدولي، والذي يستمر لمدة 46 شهرًا وبقيمة 3 مليارات دولار، إلى تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي في مصر وإعادة بناء الاحتياطيات وتحويل الاقتصاد نحو النمو القائم على القطاع الخاص.ووفقًا للمعهد، فإن هذا التأجيل، إلى جانب تفاقم العجز في الميزان التجاري والعجز المالي، وارتفاع معدلات سداد الديون، والتدفقات الكبيرة للأموال الخارجة من سوق الأوراق المالية، والتزامات النظام المصرفي الأجنبية الكبيرة، قد وضع مصر في وضع مالي غير مستقر.وتلخص المذكرة بأن السلطات المصرية قد تحتاج إلى تبني إصلاحات أكثر جرأة وتنفيذها بشكل أسرع لتعزيز الثقة في الاقتصاد المصري واستعادة استقراره المالي. كما ينصح المعهد بضرورة تعزيز التنسيق بين السلطات المصرية وصندوق النقد الدولي لتحقيق أهداف البرنامج المشترك وتعزيز الاستدامة المالية والاقتصادية في مصر.على الرغم من ذلك، شهدت البلاد تراجعًا كبيرًا في وارداتها، وذلك نتيجة لقيود الاستيراد وتخفيضات قيمة العملة. وقد أدى هذا التراجع إلى تخفيف الضغط المالي في السنة المالية 2023.تشير البيانات المتاحة عن السلع إلى انخفاض العجز التجاري بنسبة تقرب من 30%، من 22 يوليو/تموز إلى 23 مايو/أيار، مقارنةً بالفترة من 21 يوليو/تموز إلى 22 مايو/أيار لعام 2022. ولقد ساهمت زيادة السياحة الملحوظة، مع تدعيمها بتراجع قيمة العملة، في تحقيق توازن في ميزان الخدمات.تسهم هاتان العوامل في التغلب على تراجع حجم التحويلات المالية، والذي يعزى جزئيًا إلى الدفعات غير الرسمية، بالإضافة إلى زيادة الفوائد المدفوعة على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفقًا للمعهد.وتتوقع البيانات تقلص العجز في الحساب الجاري بشكل كبير، من 3.5% من إجمالي الناتج المحلي في السنة المالية 2022 إلى 1.1% في السنة المالية 2023. ويرجع المعهد هذا التحسن إلى التدفقات الوافدة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي ستساعد في تمويل العجز، مقارنةً بالتدفقات المتوقعة من محفظة الأوراق المالية والتي تقدر بحوالي ملياري دولار.بهذه الطريقة، فإن الاقتصاد يظهر بعض التحسن في السنة المالية 2023، وذلك بفضل تحسن الحالة التجارية والسياحية وزيادة التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة، مما يساهم في تخفيف العبء المالي علىالبلاد. تشهد الأسابيع الأخيرة زيادة في الجدل حول بيع الأصول التي تملكها الدولة، ومن المتوقع أن تصل هذه التدفقات الوافدة قبل بداية العام الميلادي الجديد، ما لم يتم التسريع في عملية البيع. ونتيجة لذلك، يتوقع “المعهد” زيادة الأصول الاحتياطية بمقدار نصف مليار دولار هذا العام.على الرغم من أن تقلص العجز في الحساب الجاري يُعتبر تطورًا إيجابيًا، إلا أن مصر ما زالت تعاني من التأثير القوي للعوامل الخارجية والمشاكل الهيكلية المحلية.من الناحية الخارجية، ليس التباطؤ العالمي يؤثر فقط على صادرات مصر، بل يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تراجع عائدات رسوم قناة السويس وقطاع السياحة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي ارتفاع تكاليف الاستيراد، خاصةً بالنسبة للسلع الأساسية مثل الغذاء والوقود، إلى تدهور الميزان التجاري بسرعة.يساهم الاعتماد المستمر على صادرات النفط والغاز ونقص التنوع في الصادرات غير الهيدروكربونية وضعف القدرة التنافسية في استمرار تسجيل ميزانية تجارية سلبية. وقد حدد المعهد مجموعة من العوامل الخارجية والمحلية التي ستسهم بشكل محدود في زيادة العجز في الحساب الجاري في السنة المالية 2024 إلى حوالي 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي من المتوقع أن تشهد صادرات الهيدروكربونات انخفاضًا نتيجة لتراجع أسعار النفط والغاز. ومن الجانب الآخر، ستشهد الواردات تحسنًا مع انحسار التضخم وتعافي الطلب، بالإضافة إلى إفراج الحكومة عن بضائع محتجزة تبلغ قيمتها حوالي 5.5 مليار دولار من الواردات.نظرًا لتوقع استمرار القيود على تدفقات الأموال الواردة إلى محفظة الأوراق المالية، يعتقد المعهد أن مصر ستعتمد على الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال بيع الأصول الحكومية وجهات أخرى لتمويل العجز. ومع ذلك، ستحتاج مصر إلى إجراء مزيد من التعديلات لتجديد الاحتياطيات ودفع البلاد نحو المسار المستدام.يمكن أن تشمل هذه التعديلات اتخاذ إجراءات لتحقيق نظام صرف مرن في المستقبل، بما في ذلك توحيد أسعار الصرف الرسمية والسوق السوداء. قد يتطلب ذلك خفضًا إضافيًا في سعر الصرف الرسمي، الذي يحدده السوق حاليًا بفارق يصل إلى 30٪ بحلول نهاية السنة المالية 2024.تلك الإجراءات ستهدف إلى تحقيق استقرار اقتصادي أكبر وتعزيز الثقة في الاقتصاد المصري. ومن المهم أن تتبع هذه السياسات خطة شاملة تضمن الحفاظ على التوازن بين العوامل المختلفة وتحقيق التنمية المستدامة على المدى البعيد.يشير نموذج معهد التمويل الدولي “IIFC” إلى أن علاوة المخاطر المسعرة في العقود الآجلة غير المسلمة للجنيه المصري لمدة عام واحد تقترب من المستويات التي شوهدت قبل تخفيض كبير في سعر العملة في نوفمبر 2016. ويشير ذلك إلى أن السوق تتوقع زيادة في المخاطر المرتبطة بالجنيه المصري في المستقبل القريب.تخفيض سعر العملة يمكن أن يحقق عدة أهداف، بما في ذلك خفض العجز التجاري عن طريق تقييد الواردات وتعزيز الصادرات غير الهيدروكربونية. كما يمكن أن يساعد في استعادة تدفقات التحويلات المالية إلى مستويات السنة المالية 2022، مع تقارب الأسعار بين السوق الموازية والسوق الرسمية. وبذلك، يمكن تقليل الاعتماد على التمويل الخارجي.من المهم أن نلاحظ أن هذه الاستنتاجات تستند إلى نموذج معهد التمويل الدولي وقد تكون توقعاتهم مبنية على تحليلات واستنتاجاتهم الخاصة. قد تتأثر الظروف الاقتصادية والسياسية والمالية بعوامل متعددة ومعقدة، وبالتالي فإن النتائج الفعلية قد تختلف عن تلك المتوقعةنقلاعن موقع العربية