في إحدى القرى النائية في دلتا مصر، يقف (أ.ج) داخل دكانه الصغير مترصدًا أي شخص يبحث عن بيع وشراء الدولار. يدخل شخصٌ من بين الناس الذين ينوون تغيير العملة الأجنبية ويسأل (أ.ج) مباشرة: “كم سعر الصرف اليوم؟”(أ.ج) يتردد قليلاً قبل الإجابة، ثم يبتعد عن أعين السائل ويقوم باتصال هاتفي، ثم يعود ويخبره قائلاً: “39 جنيهًا للدولار مقابل الجنيه”. يشير إلى أن سعر صرف العملة يتغير يوميًا وحتى لحظيًا، ومهما كان رد فعل السائل، إما رفضًا أو قبولًا، فإن العملية تتم بسلاسة.(أ.ج) يلاحظ أنه بالنسبة للمبالغ الصغيرة، مثل 50 دولارًا وحتى 200 أو 300 دولار أمريكي أو ما يعادلها من عملات أجنبية أخرى، يقوم بتنفيذ الصفقة بنفسه بمعرفته. أما إذا كان المبلغ أكبر من ذلك، فينظم موعدًا مع شخص قادم من مكان بعيد، يأتي وهو يعلم بالمبلغ المراد شراؤه أو بيعه، ويدفع المقابل بالعملة المحلي…في الوقت الحالي، يعتبر الاحتفاظ بالعملة المحلية غير مجدي في ظل تدهور قيمتها بشكل يومي أمام ارتفاع معدل التضخم السريع. كما أن الرقابة على الأسواق تبدو غير فعالة وتحت وطأة جشع التجار. لذلك، يقوم الكثيرون بحفظ مدخراتهم في شكل سلع ومنتجات للتحوط من تأثيرات الأزمة الاقتصادية.تعتبر الذهب والدولار والعقارات أهم وسائل التحوط التي يستخدمها المصريون. قد تكون الذهب هو الخيار الأول للأشخاص الراغبين في الحفاظ على قيمة أموالهم، حيث يعتبر ملجأ آمنًا للمدخرات في ظل التدهور الكبير لقيمة الجنيه. كما يلجأ البعض إلى شراء الدولار والعملات الأجنبية المختلفة كوسيلة للتحوط، على الرغم من الأخطار القانونية المرتبطة بها.هناك أيضًا أشخاص يقومون بتحويل جزء من مدخراتهم إلى الذهب والدولار، حيث يرونهما أكثر استقرارًا وأمانًا مقارنة بالعقارات التي تعاني من أزمات كبيرة في الوقت الحالي.عمومًا، يبدو أن الكثير من الأشخاص يبحثون عن وسائل للحفاظ على قيمة أموالهم وتجنب تدهور العملة الوطنية. قد يكون لديك خيارات أخرى تتعلق بالاستثمار أو التحوط، ويمكنك استشارة مستشار مالي للحصول على نصيحة مخصصة تناسب وضعك الشخصي واحتياجاتك المالية. تعبر هذه المقتطفات عن تجارب مختلفة للمصريين في مجال حفظ قيمة أموالهم. يشير المقاول تامر فتحي إلى استراتيجية استثمارية قام بها عن طريق شراء خامات مثل كابلات الكهرباء بعد تراجع قيمة الجنيه المصري. وقد حقق ربحًا كبيرًا من ارتفاع أسعار هذه الخامات خلال فترة قصيرة.بالمثل، يتحدث الشخص المحامي الثلاثيني عن صعوبة شراء سيارة بسبب ارتفاع أسعارها بنسبة ثلاثة أو أربعة أضعاف. ولذا، قرر تحويل مدخراته إلى عملات أجنبية لزيادة قدرته على شراء سيارة بسعر معقول.فيما يتعلق بالعقارات، كانت تعتبر ملاذًا آمنًا لحفظ القيمة في الماضي. ومع ذلك، بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف المواد اللازمة للبناء، تراجعت قيمة العقارات القيد الإنشاء. وبالتالي، لم يعد العقار خيارًا مثاليًا لحفظ قيمة الأموال، بالمقارنة مع ارتفاع أسعار الذهب والدولار.هذه التجارب تعكس التحديات التي يواجهها الأفراد في تحقيق استدامة قيمة أموالهم والحفاظ على قوة شرائهم في ظل التقلبات الاقتصادية وارتفاع الأسعار. يجب على الأفراد أن يكونوا حذرين ويبحثوا عن استراتيجيات استثمارية مناسبة ومتنوعة وفقًا للظروف الاقتصادية الراهنة، بهدف حماية قيمة أموالهم.: أشار سكر، المتخصص في العقارات، إلى أن هناك اهتمامًا متزايدًا من قبل المصريين بشراء العقارات بالتقسيط كوسيلة للتخلص من الجنيه والحفاظ على قيمة أموالهم في ظل تراجع قيمة العملة المتوقع. وقد قام العديد من الأشخاص ببيع ممتلكاتهم من الذهب والدولار لشراء العقارات بهدف الاستفادة من تراجع قيمة الجنيه.وأشار سكر إلى أن هذه الحيلة أصبحت شائعة لأن أقساط العقارات التي تسدد بالجنيه على المدى البعيد ستفقد قيمتها بسبب تراجع الجنيه، وبالتالي يصبح الشراء بالتقسيط وسيلة للحفاظ على قيمة المال في المستقبل. ولكنه أشار إلى أن مبيعات العقارات التي تعتمد على هذه الاستراتيجية تراجعت مؤخرًا بسبب فقدان الثقة في المطورين العقاريين وصعود قيمة الذهب والدولار مقارنة بالعقارات.وأورد سكر مثالًا لأحد المستثمرين الذي قام بتحويل جزء من أمواله من الدولار إلى الجنيه المصري في بداية عام 2022 لشراء مكتب إداري في العاصمة الإدارية الجديدة. وقام بتوقيع العقد بسعر 40 ألف جنيه للمتر المربع. وفي هذا العام، باع الوحدة بسعر 70 ألف جنيه للمتر المربع. وبسبب تحويل المبلغ إلى الدولار، خسر العميل نظرًا لارتفاع قيمة الدولار في السوق السوداء.وقد لوحظ ارتفاع الإقبال على الشهادات الادخارية التي طرحتها البنوك المصرية في محاولة لمواجهة التضخم وتقليص السيولة لدى المواطنين. تم طرح شهادات الادخار بأسعار فائدة مرتفعة، وتم جمع مبالغ ضخمة قبل أن يتوقف طرحهافي الآونة الأخيرة، اتجه المصريون إلى شراء السبائك الذهبية بأحجام مختلفة بدلاً من المشغولات التقليدية كوسيلة للتحوط ضد انخفاض قيمة الجنيه المصري. يعزى هذا التحول إلى عدة عوامل. أولاً، يعتبر الذهب مخزنًا للقيمة ووسيلة للحفاظ على الأموال في ظل ارتفاع معدلات التضخم والتقلبات المتكررة في أسعار الصرف. ثانيًا، يتمتع الذهب بحماية قانونية وسهولة في عمليات البيع، مما يعزز جاذبيته كوسيلة للتحوط.بالإضافة إلى ذلك، تحتل العملات الأجنبية، وبخاصة الدولار الأميركي، المرتبة الثانية في قائمة وسائل التحوط للمصريين. يعود ذلك إلى المشكلات القانونية التي يواجهها حائزو العملات الأجنبية أو المتعاملون بها خارج السوق الرسمية. على الرغم من جهود السلطات المصرية لضبط تجارة العملات في السوق السوداء، إلا أن العملات الأجنبية لا تزال تعتبر وسيلة للتحوط لبعض المصريين.تشير التقارير إلى أن الشرائح المهتمة بشراء الذهب تتمثل بشكل رئيسي في أصحاب المدخرات المالية الصغيرة، الذين يملكون مبالغ تتراوح بين 50 و100 ألف جنيه. هؤلاء الأشخاص قد لا يستطيعون شراء عقارات، ولكن يمكنهم استثمار تلك المبالغ في شراء الذهب، سواءً كانت سبائك أو مشغولات. يجدر بالذكر أن شراء العقارات يعتبر أفضل لحفظ القيمة على المدى الطويل، ولكن من الصعب التصرف السريع والبيع فيها.من ناحية أخرى، لاحظت شركات صناعة السبائك في مصر تغيرًا في اهتمام المصريين، خاصةً من حاملي الشهادات البنكية، وظهور فئة جديدة تسعى لتحويل مدخراتها إلى الذهب. بدأت تلك الشركات بالترويج لشراء السبائك وتصنيع أحجام صغيرة منها، مما أدى إلى انتعاش سوق الذهب بشكل عام، خاصةً مع تراجع تكاليف تصنيع السبائك مقارنة بالمشغولات الذهبية.بشكل عام، يمكن القول إن اهتمام المصريين بشراء الذهب زاد في السنوات الأخيرة كوسيلة للتحوط ضد انخفاض الجنيه المصري واضطرابات العملة. يعتبر الذهب الملاذ الآمن للمصريين نظرًا لقدرته على الحفاظ على القيمة وسهولة التداول به، وذلك في ظل تداعيات الأوضاع الاقتصادية والنقدية المتغيرة في البلاد.ذكرت بيانات صادرة عن مجلس الذهب العالمي أن معدلات شراء المصريين من السبائك والجنيهات الذهبية ازدادت بشكل كبير خلال الربع الأول من عام 2023. وتحتل مصر الآن المرتبة الخامسة عالميًا في الطلب على السبائك والعملات الذهبية، بعد تركيا والصين واليابان وإيران. ويرجع مجلس الذهب العالمي هذا الارتفاع إلى زيادة اقبال المواطنين على الاستثمار في الذهب كوسيلة للادخار والتحوط من التضخم، خاصة في ظل تراجع سعر صرف الجنيه المصري وانخفاض القوة الشرائية للعملة.وارتفع سعر غرام الذهب “عيار 21” بنسبة تفوق الـ 200 في المئة خلال فترة قصيرة، حيث قفز من 795 جنيهاً مصرياً في يناير 2022 إلى 2500 جنيه مصري في وقت لاحق من عام 2023. هذا الارتفاع الكبير في سعر الذهب يعكس الطلب القوي عليه وزيادة اهتمام المصريين بالحفاظ على قيمة أموالهم.من جانبه، أشار المتخصص في أسواق الذهب وليد فاروق إلى أن المصريين يفضلون الاستثمار في الذهب بسبب سهولة الحصول عليه وحيازته بشكل قانوني، وكذلك وجود تسعير واضح للذهب حتى في فترات الارتفاع السعري، بالإضافة إلى عدم وجود ضبط لتسعير العملات الأجنبية في السوق السوداء.من جانبه، أكد المحلل الاقتصادي أحمد خزيم أن ارتفاع أسعار الذهب وتحويلات العملات الأجنبية يشيران إلى تدهور الثقة في العملة المحلية وعدم الاستقرار الاقتصادي. ويرى.قبل أكثر من أسبوع، أقر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مجموعة من القرارات خلال اجتماعه بالمجلس الأعلى للاستثمار، بهدف جذب الاستثمارات وتحسين البيئة الاقتصادية في مصر. وتشمل هذه القرارات تسهيلات في إجراءات تأسيس الشركات وتقليل القيود المفروضة على عمليات التأسيس، وتبسيط الموافقات المطلوبة وتقليل المدة اللازمة للحصول عليها. كما تهدف القرارات أيضًا إلى تسهيل تملك الأراضي وتسريع إصدار التراخيص، وتعزيز الحوكمة والشفافية والمنافسة العادلة في السوق المصرية. وتشمل أيضًا تسهيلات في استيراد المواد اللازمة للإنتاج وتخفيف الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي.تمت هذه القرارات في ظل تدهور مركز السيولة الخارجية وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي، مما أدى إلى تخفيض وكالة “فيتش” للتصنيفات الائتمانية توقعاتها الائتمانية لمصر إلى “سلبية”. وقد أشار رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إلى أن توجه المواطنين نحو حفظ مدخراتهم في الذهب والعملات الأجنبية يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني، حيث يزيد من انهيار العملة المحلية ويؤثر على العملات الأجنبية وسعر صرفها. وأوضح أن الحل يكمن في معالجة الخلل في الاقتصاد المصري وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.مدحت نافع، عضو سابق في اللجنة العليا للبورصة المصرية، أشار أيضًا إلى خطورة توجه المواطنين نحو التخلص من العملة المحلية. وأكد أن الحل الأمثل يكمن في ترشيد الإنفاق الحكومي وعدم الانخراط في مشاريع جديدة تستنزف العملة الأجنبية، بالإضافة إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.بشكل عام، يتفق الخبراء على أن الاقتصاد المصري يحتاج إلى إجراءات اقتصادية هيكلية لتعزيز النمو وتحسين الأوضاع المالية. ويشمل ذلك تعزيز الحوكمة والشفافية، وتحسين مناخ الاستثمار وتقديم مزيد من التسهيلات للمستثمرين المحليين والأجانب. كما ينبغي العمل على تنويع قواعد الاقتصاد وتعزيز القطاعات غير النفطية لتحقيق التنمية المستدامنقلا نقلا عن موقع indebendent عربية