وفقًا لجريدة اقتصاد الشرق ما زال نظام سعر الصرف المرن المطبق حديثاً في غير مُختبَر بما يكفي مصر بالنسبة لسوقٍ تتهيأ لمواجهة أي اضطراب جديد. رغم سماح مصر بالتراجع أكثر من أي عملة أخرى للجنيه في العالم خلال الربع الجاري، لا يزال المستثمرون يتساءلون ما إذا كانت السلطات ستخفف قبضتها تماماً، إذا تعرضت العملة لمزيد من الضغوط أم لا، وربما لا يضطرون للانتظار طويلاً لمعرفة الإجابة. تُعدّ مصر، بين أقرانها من الدول النامية، صاحبة الاقتصاد الأكثر عرضة لأزمة عملة خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، وفقاً لبنك “نومورا هولدينغز” (.Nomura Holdings Inc)، والذي توقع في وقت سابق موجات بيع العملة. أما “إتش إس بي سي” (HSBC)، الذي توقع سابقاً أن يستقر الجنيه حول 24 ، يتصور مبدئياً الآن تحركه تجاه 26 جنيهاً للدولار، وهو ما ينطوي على هبوط يناهز 5.5% عن المستويات الحالية أصبح استعداد المستثمرين الأجانب لضخ الأموال مجدداً على المحك، في سوق كانت في وقت من الأوقات هي المفضلة لديهم بين الأسواق الناشئة. وساهم إحجام المستثمرين، حتى الآن، في صعود حاد للعائد على أذون الخزانة المصرية، والذي وصل في أحدث المزادات لأعلى مستوى منذ أوائل 2019. قال فاروق سوسة، الاقتصادي في “غولدمان ساكس غروب” بلندن: “في الوقت الحالي هناك الكثير من الارتباك حول ما إذا كنا نشهد نظاماً مرناً حقاً أم لا. ويبقى أن نرى ما إذا كان الجنيه سيكون أكثر مرونة في وجه الصدمات الخارجية من الآن فصاعداً، ويتصرف كداعم تلقائي لاستقرار الحسابات الخارجية أم لا”. خفضت الدولة الواقعة في شمال أفريقيا الجنيه بنسبة 18% في أواخر أكتوبر الماضي، وأشارت إلى تحوّلها نحو نظام سعر صرف أكثر مرونة، في وقت يصارع فيه الاقتصاد تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا. وتراجعت العملة نحو 20% أمام الدولار مسجلة مستويات متدنية قياسية الربع الجاري لتكون الأسوأ أداءً في العالم بعد السيدي الغاني. مع ذلك أدت نوبة ضعف الدولار عالمياً إلى تخفيف تراجع الجنيه إلى نحو 2% الشهر الجاري. وعلى النقيض، قفزت عملات الأسواق الناشئة أكثر من 3% في نوفمبر مع هبوط الدولار. هبطت التقلبات التاريخية لأسبوع واحد في زوج الدولار جنيه -والتي تقيس مدى انحراف الأسعار المتداولة عن متوسطاتها- إلى مستويات سُجّلت قبل أحدث خفض حاد للعملة. قال سايمون ويليامز، كبير الاقتصاديين في “إتش إس بي سي” لمنطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، في تقرير: “بعد تحرك حاد مبدئي في وقت إتمام صفقة صندوق النقد الدولي، استقر الجنيه المصري تقريباً أمام الدولار بينما كانت عملات الأسواق الناشئة الأخرى أكثر تقلباً”. تابع “ويليامز”: “إذا استمر الوضع الحالي وكافحت سوق سعر الصرف للاستقرار، سيزداد احتمال التحول الهبوطي الأعمق في قيمة الجنيه”. في الوقت نفسه تظل الخلفية الاقتصادية صعبة بالنسبة لمصر. سجلت الدولة أعلى مستوى تحذير مبكر من أزمات سعر الصرف بين أقرانها بالأسواق الناشئة ضمن مؤشر “نومورا”. ويقول البنك، الذي يتخذ من طوكيو مقراً له، إن مصر واحدة من أربع دول نامية “لم تخرج بعد من مرحلة الخطر” حتى بعد أن شهدت نوبة بيع للعملة. يرى غوردن باورز، محلل مقيم في لندن لدى “كولومبيا ثريد نيدل إنفستمنتس” (Columbia Threadneedle Investments) أنه في الوقت الحالي، يبدو أن مصر ستسمح “ببعض الهبوط المتسارع” قبل الموافقة المتوقعة الشهر المقبل على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي الذي يفضل سعر صرف أكثر مرونة كشرط للدعم المالي. وتواجه مصر مستقبلاً العديد من نقاط الضغط. يعتزم البنك المركزي بحلول نهاية ديسمبر إلغاء شرط حصول المستوردين على خطابات اعتماد لشراء بعض السلع من الخارج. كذلك تحتاج الدولة إلى تسوية الطلبات الدولارية المتراكمة -المقدرة بأكثر من 5 مليارات دولار- من المستوردين والشركات للحصول على العملة الصعبة، وهي خطوة أخرى يمكن أن تزيد الضغط على الجنيه. قال “باورز”: “يبدو أن السلطات تريد إدارة عملية التسوية وبمجرد أن تصبح الطلبات المتأخرة عند مستويات معقولة قد نشهد المزيد من المرونة، لكن حتى يتحقق ذلك، أعتقد أنه من المبكر للغاية تحديد مدى المرونة الحقيقية لنظام سعر الصرف الجديد”. قد تقيّد المخاوف بشأن التضخم والاستقرار الاجتماعي تحركات السياسة النقدية، في بلد تُعدّ فيه الأغلبية عرضة لصدمات الأسعار. وبينما تستحدث مصر أدوات للمستثمرين والشركات للتحوط من مخاطر الصرف الأجنبي، لا يزال التداول في سوق المشتقات المحلية ضعيفاً. في السوق الخارجية، عزز متداولو المشتقات رهاناتهم على أن قيمة الجنيه ستنخفض عن المستوى الحالي بأكثر من 13% في الاثني عشر شهراً المقبلة. تقول كارلا سليم، وهي اقتصادية في “ستاندرد تشارترد”، إن الجنيه سيظل تحت الضغط حتى تظهر المزيد من التدفقات الدولارية من الحلفاء الخليجيين الذين سارعوا إلى مساعدة مصر وتعهدوا بودائع واستثمارات.