وفقا لموقع اندبندنت العربية إن “صندوق النقد الدولي ليس العامل الحاسم في سيناريو التخلف عن السداد من عدمه. وبدلاً من ذلك، سيكون بمثابة عامل بناء للثقة ومحفز لزيادة أخرى في التسعير للمرحلة التي عندما تتعافى فيها الأسواق الناشئة، يمكن حينها اللجوء لأسواق السندات الخارجية”. انه في الوقت الذي يراقب فيه المستثمرون الأوضاع في مصر وذلك مع صعود خاطر التخلف عن سداد الديون وكشف اتحاد البنوك المصرية عن أن الأزمة ستمر بسلام مثل غيرها من الأزمات السابقة، لكن في المقابل بدأت المؤشرات التحذيرية في الظهور فيما يخص الديون المصرية، مما زاد من المخاوف بين المستثمرين من أن البلاد قد تتجه نحو التخلف عن السداد، بخاصة مع ازدحام جدول السداد حتى عام 2026. إلا أنه مع التغيرات الجارية في السياسة النقدية للبلاد والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي على ما يبدو أنها تقترب من نهايتها، يمكن القول إن الوضع ليس بهذا القدر من التشاؤم، بحسب محللي وكالة “بلومبيرغ”. وفي مذكرة بحثية حديثة كشفت مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس أفريكا” عن أن مصر بحاجة إلى “تفادي خطر التخلف عن السداد، لكن مصر ليست سريلانكا – فهي لديها احتياطي أعلى بكثير وخيارات تمويل أفضل بكثير في المستقبل. مشكلة مصر يمكن السيطرة عليها من خلال سياسات أكثر صرامة ودعم الدائنين الرسميين”. وتواجه مصر ضغوطاً كبيرة فيما يخص الدين الخارجي هذا العام جراء ارتفاع أسعار السلع الأساسية وارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع الدولار والاضطراب في الأسواق المالية، كما سحب المستثمرون الأجانب ما لا يقل عن 20 مليار دولار من البلاد، وذلك في إطار ملف الأموال الساخنة التي دخلت وخرجت بشكل سريع، مما تسبب في أزمة عنيفة، كما يتسع عجز الحساب الجاري، وتتزايد الضغوط على العملة المحلية، مما قد يدفع صناع السياسة لقبول مزيد من المرونة في سعر صرف الجنيه. وانخفض سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي بنسبة 21.9 في المائة منذ تخفيض قيمته في مارس الماضي، وواصل الانخفاض ليصل إلى مستوى 19.24 جنيه مقابل الدولار واقترب من مستوياته القياسية الدنيا. وتتوقع أسواق العقود الآجلة أن تنخفض العملة المحلية بنسبة 22 في المائة خلال العام المقبل. أيضاً، الأرقام والبيانات المتاحة تشير إلى أنه يتعين على مصر حالياً سداد ديون خارجية بأكثر من خمسة مليارات دولار مقومة بالدولار واليورو في الربع الرابع من عام 2022، وتسعة مليارات دولار أخرى تستحق السداد في عام 2023، كما تشير أيضاً إلى أن مصر بحاجة في الوقت الحالي إلى نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية عام 2023. ويبلغ احتياطي النقد الأجنبي لمصر في الوقت الحالي 33.14 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي المصري انخفضت بنحو 20 في المئة منذ مارس الماضي في ظل أوضاع الأسواق الحالية. ووفق نموذ “بلومبيرغ”، فإن احتمالية فشل الحكومة المصرية في سداد ديونها قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ 2013، وقد تسبب ذلك في ارتفاع الهامش بين السندات المصرية وسندات الخزانة الأميركية فوق 1.200 نقطة أساس للمرة الأولى على الإطلاق، بحسب ما ذكرت بيانات “جيه بي مورغان”، في حين أن كلفة التأمين ضد تخلف مصر عن السداد بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق عند مستوى 1.500 نقطة أساس خلال الشهر الماضي، قبل أن تنخفض إلى 940 نقطة أساس بنهاية الأسبوع الماضي. وبحسب جدول سداد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل يتعين على مصر سداد 8.57 مليار دولار خلال النصف الثاني من العام الحالي. وفي 2023، يجب سداد 9.33 مليار دولار في النصف الأول من هذا النوع من الديون، و8.32 مليار دولار في النصف الثاني، وفي 2024 يجب سداد 10.9 مليار دولار في النصف الأول و13.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام. وخلال عام 2025 يجب سداد 9.3 مليار دولار في النصف الأول و5.8 مليار دولار في النصف الثاني من العام، أما في عام 2026 فيتعين سداد 6.6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام بخلاف 10.2 مليار دولار خلال النصف الثاني. ومن المقرر أن تسدد مصر لمؤسسات دولية نحو 2.4 مليار دولار في النصف الثاني من 2022 و3.6 مليار دولار في النصف الأول من 2023 و3.8 مليار دولار في النصف الثاني منه. وتشير البيانات الرسمية إلى أن فاتورة الاستيراد تخطت 66 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الماضي، لكن 34.3 في المئة منها كان سلعاً وسيطة، و11.3 في المئة سلعاً استثمارية (آلات ومعدات)، و11.3 في المئة مواد خام، و14 في المئة وقود، و26.4 في المئة فقط سلع استهلاكية. وكشف البنك المركزي المصري عن أن الدول العربية تمتلك 25.1 في المئة من الديون الخارجية لمصر، بينما يمتلك صندوق النقد الدولي نحو 15 في المئة منها، فيما تنتظر مصر جدول سداد مزدحماً خلال الأعوام القليلة المقبلة، فبخلاف 26.4 مليار دولار ديون قصير الأجل يتعين سدادها خلال عامين، هناك ديون متوسطة وطويلة الأجل تجاوزت 72.4 مليار دولار خلال المتبقي من 2022 وحتى نهاية 2025. التوقعات تشير إلى اتجاه احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى الاستقرار على المدى القريب، إذ رجحت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني أن تستقر احتياطات مصر من النقد الأجنبي، وأن تشهد ارتفاعاً تدريجاً على خلفية ارتفاع الصادرات غير النفطية وانتعاش التدفقات الأجنبية الواردة. وشهدت الصادرات غير النفطية بالفعل زيادة بنسبة 20 في المئة على أساس سنوي في النصف الأول من العام الحالي لتصل إلى 19.35 مليار دولار. أيضاً، فإن إعادة بناء الاحتياطات الأجنبية ومرونة سعر صرف الجنيه هي أحد أهم أولويات محافظ البنك المركزي الجديد، إذ تتزايد التكهنات بأن محافظ البنك المركزي الجديد حسن عبدالله، سيسمح للجنيه بمزيد من الانخفاض أمام الدولار لتخفيف الضغوط. وقد لمح هشام عز العرب، الذي جرى تعيينه مستشاراً للمحافظ الجديد قبل أيام، إلى أن عبدالله “سيسير بوتيرة أسرع بكثير تجاه ضبط قيمة العملة. ولن يكون ذلك خفضاً مفاجئاً كالذي تبناه المحافظ السابق، وإنما بوتيرة أسرع”. ومن الواضح أن تعيين عبدالله جاء ليطمئن سوق السندات المحلية، فقد تراجعت عائدات سندات الخزانة المصرية لأجل ثلاثة أشهر للمرة الأولى أمس منذ مايو بنحو خمس نقاط لتصل إلى 16.1 في المئة في أحد العطاءات، وهو ما أرجعه البعض إلى تعيين محافظ جديد للبنك المركزي، لكن مصر ليست وحدها في هذا الوضع الصعب، إذ جرى تداول ما يقرب من خمس إجمالي الديون السيادية الخاصة بالأسواق الناشئة عند مستويات منخفضة للغاية في يوليوالماضي. وينظر المستثمرون إلى الوضع في مصر كمعيار ومؤشر لما يمكن أن يكون عليه المشهد فيما يخص ديون الأسواق الناشئة.