هل تبيع مصر أصولها لسداد الديون أم تفسح الطريق للقطاع الخاص؟

المصدر : اندبندنت العربية

بواسطة أندبندنت العربية أوضحت ان الحكومة المصرية عادت الي تحديث خطتها خطتها القديمة ضمن برنامج مبادلة الديون الذي طبقته منذ ثلاثون عاماً بشكل أكثر اتساعاً. وتلك الخطة تسمح للدول الدائنة بضخ استثمارات وشراء حصص ملكية واستثمارية مقابل الديون في ما تملكه الدولة المدينة من أصول غير استراتيجية، تبتعد من الأصول والشركات التي تتعلق بالأمن الاستراتيجي القومي المصري. وتأتي الخطوة في إطار توسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص، سواء المصري أو الأجنبي، بتخارج الدولة من الشركات العامة لإتاحة الفرص أمام القطاع الخاص في خطة تستهدف جذب استثمارات مقدرة بـ10 مليارات دولار أميركي خلال العام الحالي. خطة تخارج الدولة من الشركات العامة لإتاحة الفرص أمام القطاع الخاص أو الأجنبي أعلنها رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ضمن خمسة محاور رئيسة في مؤتمر صحافي عقده في 17 مايو المنقضى بالقاهرة. وتضمن أحد المحاور “وثيقة ملكية الدولة” التي تضم جميع المشاريع والاستثمارات التي ستتخارج منها لإتاحة الفرصة للقطاع الخاص بقيمة 40 مليار$ على مدار 4 سنوات. وأشار مدبولي إلى أن “الحكومة جهزت استثمارات بقيمة 9 مليارات دولار يمكن للقطاع الخاص المشاركة فيها”، لافتاً إلى أن “الوزارات المعنية تجهز قائمة أخرى لمشاريع تسعى الدولة إلى المشاركة الاستثمارية فيها مع القطاع الخاص تصل قيمتها إلى نحو 15 مليار دولار تعتزم الدولة التخارج منها في غضون ثلاثة أعوام”. وقال أن “هناك قطاعات تعمل فيها الدولة ستقلل من نسبة استحواذها عليها، بينما هناك استثمارات عامة لا يمكن أن تتخارج منها على الإطلاق إذ تمس حياة المواطن بشكل مباشر مثل قطاعات البنية الأساسية والصرف الصحي والتعليم والصحة”. ولفت التقرير الي ان ووقعت القاهرة اتفاقاً مع النادي في مايو 1991 لجدولة المديونية الخارجية لمصر المستحقة للدول الدائنة أعضاء النادي بهدف التخفيف من أعباء المديونية الخارجية من خلال تمويل مشاريع تنموية واستثمارية وتقديم الدعم للموازنة العامة للدولة وتشجيع الاستثمار في مصر، وكذلك إعفاء الدولة من عبء تدبير النقد الأجنبي اللازم للسداد، واتفقت مصر آنذاك مع أربع دول أعضاء هي ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا على برامج لجدولة الديون. ومن أبرز نماذج الاتفاقات الثنائية لمبادلة الديون بالاستثمارات حزمة من الاتفاقات التي وقعتها القاهرة مع روما لمبادلة أو تسوية جزء من الأقساط والفوائد المستحقة لإيطاليا على مصر التي بدأت قبل 21 عاماً. ووقع ممثلو الحكوميتين اتفاقاً عام 2001 تمت بموجبه مبادلة مبلغ 149 مليون دولار، ثم اتفاقاً آخر عام 2007 تمت بموجبه مبادلة 100 مليون دولار لتمويل مشاريع التنمية، فيما وقع الاتفاق الثالث في 2012 لمبادلة 100 مليون $. هذا النوع من الاتفاقات تديره لجنة إدارة المقابل المحلي للديون الإيطالية التابعة لوزارة التعاون الدولي المصرية يطلق عليها لجنة إدارة المقابل المحلي للديون الإيطالية برئاسة مشتركة لوزير التعاون الدولي من الجانب المصري والسفير الإيطالي في القاهرة. وكان آخر الاتفاقات الموقعة بين البلدين في شهر يونيو هذا العام عندما اتفقت روما على استثمار 367 مليون جنيه (19 مليون$) ضمن برنامج مبادلة الديون المصرية مع إيطاليا لتدشين ست صوامع حقلية للحبوب. والآن تبحث القاهرة عن مخرج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد مع تفاقم حجم الديون الخارجية إلى نحو 157 مليار$ والحاجة الملحة لتدبير ما لا يقل عن 30 مليار $ لسداد أقساط وفوائد الديون وسد الفجوة التمويلية في الميزان التجاري المصري في ظل انسداد عدد من القنوات التي تدر إيرادات النقد الأجنبي، وعلى رأسها الإيرادات السياحية وخروج استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية “الأموال الساخنة” مع استمرار الحرب الروسية و الأوكرانية التي بدأت في فبراير المنقضى . واتفق المحللون على أن الوضع الصعب للاقتصاد المصري وتفاقم الديون دفعا القاهرة إلى دعوة القطاع الخاص، سواء المصري أو الأجنبي لضخ استثمارات سواء جديدة أو شراء حصص أو أسهم من الشركات العامة القائمة بعد أن تتخارج منها الدولة. وأكد المحللون أن دخول مستثمرين أو صناديق استثمارية عربية وأجنبية لشراء حصص في شركات حكومية قائمة لا يدعو للقلق طالما الشراكة أو الشراء لم يقترب من أصول أو شركات ذات بعد استراتيجي يتعلق بالأمن القومي المصري. وقال المتخصص في شؤون الاقتصاد السياسي مدحت الشريف إن “نظام مبادلة الديون بين الدول وفقاً للتجارب الدولية السابقة آلية لتحويل الديون إلى حقوق ملكية”، وأوضح أن الآلية هي أن “تحصل الدولة الدائنة على أصول أو مشاريع قائمة تخص الدولة المدينة بدلاً من سداد الدين سداداً نقدياً ومباشراً بالعملات الأجنبية”، وأضاف “يمكن أيضاً أن يتحول الدين الخارجي المستحق على دولة ما بالعملة الأجنبية إلى العملة المحلية”، مشيراً إلى أنه “في تلك الحال يتم تحويل الدين إلى العملة المحلية واستثماره في تدشين مشاريع محلية بتسهيلات وحوافز في الدولة المدينة وتكون مملوكة للدولة الدائنة”. وأكد الشريف أنه “في تلك الحال لا يترتب على مبادلة الديون سداد أي مدفوعات نقدية مباشرة للدائن” ولفت إلى أن “مصر في حاجة لتنفيذ أي الحالتين للخروج من مأزق الديون العاجلة الحالية”، وانتقد نظام مبادلة الديون بالاستثمارات، قائلاً إن “الاستثمار بتلك الحال ربما يسبب أضراراً وخيمة للدولة المدينة إذا فرض تقييم مجحف لقيمة الأصول المدرجة للبيع أو موضع المبادلة أو اختيار أصول مهمة أو استراتيجية تشكل مورداً أساسياً من موارد الدولة المدينة أو لها أبعاد سياسية أو أمنية”. وأضاف “يجب أن تتجنب عمليات مبادلة الديون بالاستثمارات الشركات أو الأصول أو المشاريع التي تمثل بعداً استراتيجياً للأمن القومي المصري مثل الموانئ”، وبديلاً عن ذلك، طالب الشريف بأن يتم “تطبيق استراتيجية فاعلة لإدارة محترفة للدين العام والحد من الاقتراض بشكل عاجل حتى لا تصل الدول المدينة إلى مراحل متأخرة قد تؤثر في أمنها القومي سلباً”. قال المتخصص في شؤون الاقتصاد الكلي هاني توفيق إن “الحكومة مضطرة إلى التخارج من مجموعة من الشركات العامة والأصول المملوكة لها بأي صورة من صور البيع أو مبادلة الديون في ظل حاجتها إلى النقد الأجنبي السريع، إذ إن القاهرة لا بديل أمامها سوى تلك الخطوة في وقت تتكدس فيه أقساط وفوائد الدين خلال النصف الأخير من العام الحالي 2022، منها أقساط لصندوق النقد الدولي ومؤسسات مالية أخرى”. ولم ينتقد توفيق عمليات بيع الأصول أو دخول شركاء مصريين أو عرب أو أجانب في الشركات العامة، وقال “لا يشكل ذلك أي أزمة أو خوف أو قلق في حال وجود خطة عاجلة محكمة لزيادة النقد الأجنبي العام المقبل عن طريق زيادة الصادرات أو دعم السياحة وترشيد الاستيراد لتوفير العملة الصعبة”، محذراً من تكرار الأزمة ذاتها العام المقبل في حال بقاء الوضع كما هو عليه”. وسجلت الديون المصرية الخارجية 158 مليار $في نهاية الربع الأول من العام الحالي بزيادة قدرها 13 مليار$ مقارنة بالربع الأخير من 2021، وتستهدف القاهرة استثمارات أجنبية بقيمة 40 مليار$ خلال أربعة أعوام وفق خطة تقوم على جذب عدد من الصناديق السيادية العربية في الإمارات والسعودية وقطر والبحرين وجهات أخرى، بحسب وزيرة التخطيط المصرية.