ذبح ثلاث ثيران احتفالًا بأول مصنع لاستخراج الذهب في عهد محمد علي باشا

المصدر : اليوم السابع

 وصلت البعثة التى أرسلها محمد على باشا والى مصر إلى «جبال كاسان» فى شرق السودان يوم 4 مارس 1848 لبناء أول مصنع لاستخلاص المعدن الثمين فى المملكة المصرية بمساعدة روسية، حسبما يذكر المؤرخ والمستشرق الروسي «أ.ف. أنتوشين» فى كتابه «ذهب سنار، قصة أول مصنع روسى لاستخلاص الذهب فى عهد محمد على.وبدأ العمل بالمصنع فى الأول 1 إبريل، مثل هذا اليوم، 1848، بعد عشر سنوات من بدء التفكير فيه، حيث عرف محمد على أن الروس توصلوا إلى طريقة جديدة لاستخلاص الذهب من الرمال، فاستدعى القنصل العام لروسيا «ميديم» إلى القلعة يوم 28 يونيو 1838، وطلب منه الحصول على وصف دقيق ومفصل لهذه الطريقة، ويرصد «أنتوشين» علاقات مصر وروسيا المميزة وقتئذ، ويتتبع قصة المصنع من خلال يوميات أحد خبراء المناجم الروس واسمه «ايفان بارودين»، وكان ضمن أفراد البعثة التى أرسلتها روسيا، لإنشاء هذا المصنع فى السودان الذى كان يخضع لحكم محمد على وقتئذ.يكشف «أنتوشين»، أنه بعد مقابلة محمد على للقنصل الروسي، بعث القنصل برسالة إلى عاصمة بلاده «سانت بطرسبورغ»، لكن الرد عليها استغرق ثلاث سنوات، وكلف محمد على رجاله بدراسته فى سبتمبر 1841، واقترحوا أن توفد روسيا خبراء لإنشاء المصنع، لكن روسيا اقترحت فى مكتوب يوم 7 ديسمبر 1843 إرسال مهندسين مصريين للاطلاع، ومشاهدة المعامل الروسية، واستجاب محمد على للاقتراح، وبعث بشابين هما، محمد على إبراهيم، وعيسى الدهشورى، وكتب قنصل روسيا فى الإسكندرية إلى حكومته مكتوبا بهذا الشأن يوم 26 مارس 1845، ولأن المهندسين موفدين من «والى مصر» شخصيا،و تابع إمبراطور روسيا بنفسه بعثتهما، وأصدر تعليماته باستقبالهم، وأن يظلا تحت إشراف أساتذة معهد التعدين، ويسافر معهما مرافقون إلى مصانع التعدين فى «الأورال».يذكر «انتوشين» أن «الدهشورى» و«إبراهيم» قضايا بعثتهما بين مصانع ومعاهد التعدين الروسية، ثم عادا بعد سنة، وبحوزتهما نماذج لآلات غسل الذهب، وبمجرد عودتهم أرسلهم محمد على إلى بلاد النوبة للعمل، وبختام 1847 أرسلوا تقريرا إلى روسيا يثبت أن منطقة «كاسان» الموجود فى «فازوغلى» بالسودان هى الأنسب لبناء المصنع، وجدد محمد على طلبه القديم لروسيا بأن ترسل مهندسين للمعاونة فى إنشاء المصنع، فاستجاب الامبراطور الروسى، وفى نوفمبر 1847 وصل إلى ميناء الإسكندرية على متن باخرة روسية قادمة من ميناء أوديسا فيلق يتكون من مهندس التعدين «كوفاليفسكى»، يرافقه عاملان تعدين ومهندس لعلوم الطبيعة، وانتقلوا إلى القاهرة للقاء محمد على دراسة خططهم، ثم استعدوا للمهمة ،وغادروا القاهرة إلى السودان.يصف «أنتوشين» وقت رحيل البعثة، قائلا: «حانت لحظة الرحيل عن القاهرة المضيفة، وتجمع بعض الروس لدى رئيس البعثة وجلسوا القرفصاء وفقا للعادات القديمة، ورسموا علامة الصليب فى خشوع وطلبوا المغفرة، وضم محمد على إلى البعثة ترجمانا للعربية هو، الدكتور «تريمو»، سلافي الجنسية وتربى فى فرنسا، ورسام فرنسي، كما أوكلت إلى المقدم يوسف أفندى وهو من الشراكسة مهمة حل المشاكل الخاصة بتأمين البعثة التى اصطحبت خبراء التعدين الروس وخدم من جميع الجنسيات.يذكر «أنتوشين» أنه في الساعة الثانية ظهرا 8 يناير 1848 أبحرت المركب باتجاه أعالى نهر النيل، وكانت البعثة تتوقف فى طريقها على شواطئ المدن والقرى المصرية، ثم السودانية، وقبل ثلاثة أيام من وصولها إلى «كاسان» قابلها عيسى الدهشورى، الذى كان موجودا مع زميله محمد على إبراهيم، وفى 4 مارس 1848 وصلت إلى هدفها وهو المكان الذى يتم فيه بناء مصنع غسل المعدن الأصفر ،وتواصل العمل حتى افتتاحه فى 1 إبريل 1848.كان الافتتاح يوما مشهودا بوصف «أنتوشين» مشيرًا : «أصبح الأول من إبريل يوما مشهودا فى تاريخ ورشة غسل الذهب بشرق السودان، فقد اتخذت جميع التدابير من الحاكم «خالد باشا» للاحتفال ببداية العمل.. قام رئيس البعثة الروسية شخصيا بدعوة خالد باشا لحضور هذا الحدث لتجنب أى مشاكل أو سوء تفاهم يمكن أن يحدث.. خرج الجنود فى عرض عسكرى ووقفوا فى صفوف ثم قاموا بعدة حركات منتظمة ووضعوا السلاح فى الغمد، والباشا «خالد» يأمر القوات بنفسه، وبسطوا السجاجيد التى وقف الباشا والموظفون عليها، وكان أصحاب البشرة السمراء يجلسون على مسافة بعيدة بما أنهم عبدة أوثان».يؤكد «أنتوشين»: «كانت المراسم مثيرة جدا للدهشة، كما عكست تعددية جنسية المشاركين فيها، واستغرق الجنود فى الابتهال إلى الله، ثم اقتاد السودانيون ثلاثة ثيران، وقاموا بنحرها، وبدأوا يمسحون الآلات بدماء الثيران، ويعكس ذلك الطابع المعقد والكامل خلفية سكان المنطقة الدينية.. بعد تلك المراسم الاحتفالية بدأ العمل المكثف على غسيل الرمال باستخدام الآلات، كانت إنتاجية العمال السودانيين فى الأيام الأولى قليلة، إلا أنه بعد  أسبوع تعود العمال أصحاب البشرة السمراء على العمل بالتقنية الجديدة، وارتفعت إنتاجيتهم إلى الضعف.نقلًا عن جريدة اليوم السابع